الوفد
د. مصطفى عبد الرازق
ديمقراطية الغزالى حرب!
هل نخبتنا هي سبب أزمتنا، كما يحاول البعض أن يزعم؟ رغم ما في هذه المقولة من مبالغة، إلا أنها تحمل قدرًا لا بأس به من الصحة، ونظرة على الكثير مما يدور حولنا تؤكد لك صحة ذلك.. خذ مثلا حالة الكاتب الدكتور أسامة الغزالي حرب، فالرجل الذي أصبح لا يذكر اسمه إلا مقرونًا بالدعوة لإطلاق سراح السجناء في قضايا الحريات، يأبي على كاتب أن يقول رأيه بحرية في قضية يكاد يسود الإجماع محليا ودوليا على أنها خلافية.
ففي مقال بدت لهجته غريبة على رصانة وهدوء الدكتور أسامة، راح يوجه نقدًا شديدًا وحادًّا للزميل سليمان جودة، متخذًا عنوانًا يشعرك كأن جودة ارتكب كبيرة من الكبائر. وتحت عنوان: «كبوة سليمان جودة» راح الرجل ينتقد الكاتب لأنه عبر عن تحفظه على إنشاء مفاعل الضبعة النووي، مقدمًا ما يراه أسبابا لتحفظه.
رغم أن ذلك من حق جودة وغير جودة ولكن لأن وجهة نظر الدكتور أسامة في الموضوع مختلفة، فقد رأي أن ما ذهب اليه جودة يعتبر كبوة، وهي هنا تعني صدور خطأ عن شخص حصيف لا ينتظر منه صدور مثل هذا الخطأ!
ليس دفاعًا عن جودة، فالرجل له منبره الذي يمكن من خلاله أن يدافع عن نفسه لو رأي أن الأمر يستحق، غير أن السؤال الذي تبادر إلى ذهني على الفور لدى قراءة ما كتبه حرب هو : هل من حق كاتب أن يحجر على حرية كاتب آخر؟ النقاش وارد، وتفنيد الحجة بالحجة أمر مطلوب، بل ويثري أي قضية، غير أن الأمر عندما يتخذ صورة التقليل من شأن الخصم ومحاولة الإيحاء بأنه أخطأ خطأ بالغا في قضية رأي، فإن ذلك يعطي مشروعية للقضية التي نذر حرب نفسه للنضال ضدها وهي «قمع الرأى» بمعنى أنه أما وأن شخصا مثل حرب لم يحتمل خلافا في الرأي بشأن قضية لا ناقة له فيها ولا جمل، فما بال جهاز دولة يناله أكبر الضرر من تحركات تتم على خلفية قضية حرية الرأى ومن هنا يرى التعامل مع مثل هذه القضية بسجن أصحاب هذه الآراء!
المثير للدهشة أن "حرب" شرب من قبل من ذات الكأس التي يحاول أن يسقى بها جودة، فقد تم وقف مقاله اليومي بجريدته الأهرام على خلفية خلاف مع الإدارة في قضية رأي هي موقفه من العاصمة الإدارية الجديدة والتي حمل خلالها لواء معارضة الخطوات المتسارعة لإنشائها، ما بدا معه وكأنه زاد حدة انتقاده بعض الشىء، فكان التعامل معه على نحو اختفى معه عموده اليومي. هو هو نفس الموقف، ما يعطي شرعية ثانية للطريقة التي تم التعامل بها معه في هذه القضية كذلك. الأكثر غرابة أن حرب عندما عاد عموده المتوقف راح يبدي الاعتذار على أنه كان متجاوزا في حديثه بشأن العاصمة الإدارية الجديدة!
السؤال: هل هذه هي الديمقراطية في مفهوم حرب وهو الدارس للعلوم السياسية ومن المفترض أنه يفهمها في كافة أبعادها أفضل من كثيرين؟ هل الديمقراطية لا تحتمل رأيا مخالفا؟ لست هنا في وارد إيراد الحجج التي ساقها كل طرف في موضوع إنشاء المفاعل النووي بالضبعة من عدمه، وما إذا كان هذا الطرف أم ذاك على حق، فالقضية خلافية، ويستطيع أي طرف أن يورد مئات الحجج على موقفه وللقارئ أو صاحب الشأن أن يميل للرؤية التي يراها صائبة، وهي تشبه مثلا قضية مثل منخفض القطارة التي مضى عليها عقود وما زال الخلاف قائما بشأنها ولم تجد نظاما يتبناها، كما لقيت قضية مفاعل الضبعة.
سؤال آخر: هل يعطي حضور الدكتور أسامة اجتماعا مثل اجتماع الضبعة حصانة ضد النقد؟ لا أبالغ إذا قلت لك بعد كل ذلك إن أكثر ما استفزني فيما كتبه حرب، هو أنه صال وجال ولكن بعيدا بعيدا عما أورده جودة في مقاله.. إذا لم تقتنع بما أقول أرجوك راجع المقالين واحكم أنت في النهاية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف