الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
غني النفس وفقرها
يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ليس الغني عن كثرة العرض. ولكن الغني غني النفس" "رواه مسلم". فالغني الحقيقي ليس في كثرة المال والعرض الزائل من متاع الدنيا. وإنما هو في رضا النفس وقناعتها. وكذلك أيضا الفقر هو في فقر النفوس وطمعها لا في قلة ذات اليد. علي حد قول الشاعر:
والفقر في النفس لا في المال تعرفه
ومثل ذاك الغني في النفس لا المال.
ويقول آخر:
يا خادم الجسم كم تشقي بخدمته
اتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل علي النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وقديماً قال الشاعر العربي:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل ثياب يرتديه جميل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وقال أحدهم مادحاً جعفر بن يحيي البرمكي:
يريد الملوك مدي جعفر
ولا يصنعون كما يصنع
وليس بأكثرهم في الغني
ولكن معروفه أوسع
وكان الآخر يقول:
أمت مطامعي فأرحت نفسي
فإن النفس ما طيعت تهون
وأحييت القنوع وكان ميتاً
ففي إحيائه عرض مصون
إذا طمع يحل بقلب عبد
علته مهانة وعلاه هون
ويقول آخر:
لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسأل يغضب
ويقول نبيناً "صلي الله عليه وسلم": "طوبي لمن رزق كفافا وقنعه الله بما أتاه" وكان "صلي الله عليه وسلم" يقول: "إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعوا علي أن ينفعوك. ثم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. ولو اجتمعوا علي أن يضروك. لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. جفت الأقلام وجفعت الصحف".
وكان "صلي الله عليه وسلم" يقول: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتي تستكمل رزقها. ألا فأتقوا الله وأجملوا في الطلب" فلو أدرك كل إنسان قولاً ويقينا وعملاً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. وأن ليس له إلا ما كتب. وأن ما كان له سوف يأتيه. وأن ما ينفق من خير يوف إليه أضعافاً مضاعفة. حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" "البقرة: 261 ". ويقول سبحانه: "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" "البقرة: 274". وأدرك من جانب آخر أنه ما من عبد يفتح باب ذل أو مسألة من غير حاجة إلا فتح الله عليه باب فقر. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه. قال: ما نقص مال عبد من صدقة. ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاًَ. ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها" لو أيقن الناس ذلك لهدأت النفوس واطمأنت واستقرت. وتبدل خوفها أمنا. وقلقها طمأنينة. وامتلأت غني حقيقياً. وابتعدت عن فقر النفوس وضجرها وآلامها وهمومها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف