الأهرام
فريدة الشوباشى
نبش قبور الفراعنة
يملؤنى شعور بسعادة غامرة ،كلما تذكرت قسمات وجه ابنى ،وهى تنطق بالفرحة، وقد كان فى التاسعة من عمره، وهو عائد من المدرسة، فى باريس، وهو يقول لى بنبرات، تنبض بالفخر، : تصورى يا أمى، لقد أعطونا فى حصة التاريخ اليوم، درسا عن الفراعنة.. وأخذ ابنى يستعيد كلمات المدرس وكيف تحدث بإجلال واحترام عن حضارة، لا مثيل لها فى التاريخ..تذكرت هذه الواقعة هذه الأيام بمناسبة ما افصح عنه أحد نواب ما بعد ثورتي، يناير ويونيو،من رغبة جامحة فى نبش مقبرة أديب مصر العالمى الراحل نجيب محفوظ !!.. والحجة، «خدش الحياء»..!! وأظن أن علينا الا نأخذ هذه الآراء باستخفاف ونعتبر أن الرجل أبعد ما يكون عن الثقافة، أو أنه شديد الرجعية أو أى حجة أخرى، تبعدنا عن الجوهر الحقيقى لهذا الفكر المعادى لكل رموز الوطن، قديما وحديثا، وتصحيره بنزع كل ما صنع تفرده ومكانه ومكانته..فقد سبق وقال أكثر من شخص من جماعة الاسلام السياسى بضرورة تفجير الأهرام وابو الهول وكل التراث الحضارى لمصر القديمة، على اعتبار، أن بقاء هذه الصروح التى ينحنى العالم احتراما لاصحابها، ولأفكارهم الإنسانية، التى جعلت مصر القديمة «فجر الضمير»، هى فى نظرتهم الحالكة الظلام، مجرد «أوثان». وكأنهم التقطوا لنا الصور وشرائط الفيديو ونحن نخر ساجدين أمام ابو الهول والأهرام.وفى نفس الوقت، يعلن هؤلاء الحرب على القوة الناعمة المصرية والتى حفرت لمصر مكانة فريدة فى الوطن العربى، بل وحتى فى العالم.. فقد عشنا كابوس «ان الفن حرام، والمسرح حرام والسينما حرام.. والأدب حرام!!!» واذا سألت من هؤلاء الأوصياء الجدد علينا، تجد سهام التكفير والتهديد بالقتل والسب بأحط الألفاظ وأكثرها بذاءة، تنهال عليك من كل حدب وصوب.. إن هدم رموز مصر، ومحاولة تقزيمها، تندرج فى إطار مؤامرة شرسة، تسعى الى العودة بوطننا الى العصور الوسطى، حيث ارتفع فيها صوت أعداء الحياة والعلم ، وفى النهاية خرجت أوروبا من النفق المظلم وحققت دولها تقدما علميا كبيرا، استفادت منه الانسانية بأسرها..

غير أن الغرب، الذى لم يصل إلى ما وصل إليه من مستوى علمى ومن تقدم فى جميع المجالات تقريبا، إلا بالخروج من عصر محاكم التفتيش، لم ينجح فى التخلص من نزعات استغلال ثروات الشعوب المتخلفة ،فكانت الفكرة الشيطانية بتأسيس تنظيمات الإسلام السياسى ،والتى كما لا يخفى على أحد،تشعل الحروب بين العرب المسلمين، بأيدى هذه التنظيمات، ولكن بأسلحة غربية..فمن يطلقون عليهم فى العقود الأخيرة، «الإسلاميون»،لا يتوانون عن تأجيج الفتن الدينية والمذهبية، واذا تيسر، العرقية أيضا.. ولا أظن أن أحدا بوسعه اثبات، ان داعش مثلا، هى التى تقوم بصنع ما تقتلنا به من اسلحة ،ولا بما تشيعه من خراب، اينما حلت..فقد اتيحت لى زيارة سوريا عام 1993 وشعرت لدى زيارتى لمدينة حلب، بأنها أجمل مدينة فى العالم، والتى حولتها التنظيمات الإسلامية الى أشلاء..انهم يسيرون على منهج واحد،هو تجريد الوطن العربى، وفى المقام الأول مصر،من جميع مظاهر الحضارة والفنون، وهو ما يفسر، مرحلة نبش القبور التى «اقترحها» علنا نائب فى البرلمان، واختار، بدهاء شديد، ضحيته الأولى، نجيب محفوظ، أحد أرفع الرموز وأكثرها احتراما، حيث حاز على أرقى جائزة، أضافت الى رصيد مصر، هى جائزة نوبل للآداب، فبلغ الحقد الأعمى، ان يطالب النائب، بنبش مقبرته، وإخراج رفاته ،لمحاكمته، على روائع الأدب المصرى والعربى والعالمي.!!. لا أصدق انه رأى منفرد، بل هو مخطط شرير لتجريد مصر من كل ما تفتخر به، حضارتها القديمة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف