البديل
هانى هنداوى
سيادة الرئيس.. لماذا لا نشعر بإنجازاتك؟
كان صديقي يتابع التليفزيون باهتمام بالغ، فلم يسمعني وأنا أسأله عن سر شغفه الشديد بما يشاهد، بل ظل على حالته لنحو ساعة، راسما على وجهه ابتسامة عريضة، وفي نفسه فيض من السعادة تكاد تقفز وتنطق بما يخفي.

أنهى صديقي مشاهدته، ثم اعتدل في جلسته، وواجهني قائلا وهو يكفكف دموعه من الفرحة: “بنينا وحدات سكنية جديدة، الحلم بيبقي حقيقة، والمستقبل هيضحك لنا، وكله ببركة الرئيس.. تحيا مصر”، وكررها ثلاث مرات.

نسيت أن أقدم لكم صديقي، فهو مثلي عضو أصيل في معسكر 30 يونيو، ولكننا افترقنا بفعل أحداث اعتبرتها أنا عودة لدولة سبق أن رفضتها في ثورة يناير، ظاهرها الحرية وباطنها الاستبداد، تدعي الديمقراطية وتمارس القمع، ترفع العصا لمن عصى، وأخيرا تفرط ولا تصون، وهنا تكمن الكارثة.

سلكت أنا مسلك “الفئة الضالة”، بينما ظل صديقي غارقا حتى الثمالة في عشق هذا النظام الذي حمى مصر من الهلاك، الذي أحبط المؤامرات ووأد الفتنة التي لعن الله من يوقظها، لذا قرر صديقي من وقتها أن يمنح الرئيس تفويضا مطلقا بالإدارة والحكم، من دون أدنى معارضة، أو حتى تلميح بأن هناك وقتا سيأتي حتماً للمساءلة.

سألت صديقي وأنا متشوق لسماع وجهة نظره، دون نية مبيتة في إحراجه: في ظنك، لماذا لا نشعر بإنجازات الرئيس؟ فالأحوال تضيق أكثر، والأيادي الممدودة بالسؤال تزداد، وأفق الحرية ينخفض، والمستقبل لا يزال مجهولا، بينما تهلل أنت ليلا ونهارا بإنجازات هائلة ستقفز بنا من ذيول المؤخرة، لنتصدر المقدمة كسابق عهدنا.. كيف؟

تململ صديقي وبدت علي وجهه علامات الضيق وهو يرد علي سؤالي قائلا: “أنتم لا تدركون حجم الإنجازات لأن في قلوبكم مرض، تقدمون الضغينة علي المحبة، متربصون، حاقدون، تسيؤون أكثر مما يجب، فيا ليتكم تغمضون أعينكم قليلا عن بعض الحالات الفردية، وتفتحوها على الحلم الذي أصبح حقيقة ملموسة بفضل الرئيس”.

قلت: “ولكن لماذا يضيق صدر الرئيس بالنقد؟ أصبح لا يطيق سماع كلمة لا، رغم أنه لم يكمل عامين في الحكم، فنحن نريد أن نشاركه الحلم، ولكنه يصر علي أن يعاملنا كالصغار، يتجاهل آراءنا، يصفنا بالمتآمرين، ولا يحفل إلا بمن هم مثلك، المصفقون لكلماته، المسبحون بقراراته، المبررون دوما أخطاءه”.
زاد منسوب الغضب عند صديقي، فبدأ يلقي بسيل من الاتهامات، وفي آخرها نظر لي بحدة وقال: “صدق الرئيس عندما قال إن قوي الشر ما تزال نابضة، فلتذهبوا أنتم وحقوق الإنسان التي تتشدقون بها إلى الجحيم، فلتحمدوا الرئيس لأنه ترككم تتفوهون بتلك الخرافات دون أن يصدر أمرا باعتقالكم”.
قلت: “أصبحت تتحدث مثله، ودعني أذكرك أنه بالفعل يعتقل من يخالفه، ينكل بمن يتحدث لغة غير اللغة التي يحب أن يسمعها، أتحسب هذا عدلا؟ لماذا ينكر علينا حقنا؟ لماذا لا يعاملنا كراشدين بدلا من أن يأمرنا غاضبا بألا نتحدث مرة أخرى في شأن يهمنا”.

وصل صديقي إلى ذروة الغضب، عندما ذكرته بأن عمر بن الخطاب كان يدعو الناس لمعارضته بكلمة لا قائلا: “ويل لكم إن لم تقولوها وويل لنا إن لم نسمعها”، ساعتها نظر لي حانقا، ثم صرخ في وجهي: “أين نحن وأين عمر؟ الرئيس يبني وأنتم تدمرون، الرئيس يزرع وأنتم تحرقون، ألا تصطفون يوما معه خير لكم ولبلادكم؟”.

قلت: “إن فشل الرئيس سنفشل سويا، وإن سقط سقطنا معه، لذا نريده أن ينجح أكثر منك، فلسنا في معسكرين مختلفين، بل هو من قسمنا إلى قوى شر ومواطنين شرفاء”.

أشاح صديقي بوجهه عني بعد أن وصل الحوار بيننا لطريق مسدود، عاد مجددا إلى تليفزيونه، فها هو على موعد مع حلقة جديدة لفعاليات افتتاح الرئيس الآلاف من وحدات الإسكان، بينما جلست أنا اتخيل ما سيقوله الرئيس عندما نلتقي مصادفة على شاطئ الكورنيش، وأسأله عندها: سيادة الرئيس.. قل لي لماذا لا نشعر بإنجازاتك؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف