صباح الخير
محمد عبد الرحمن
نوارة .. الأسباب الخمسة لكل هذا النجاح
تدور أحداث فيلم «نوارة» فى فترة زمنية لا تزيد على الشهر، وتحديدا فى أبريل من عام 2011، نعرف بدقة التاريخ لأنه نفس الشهر الذى صدر فيه قرار النائب العام عبدالمجيد محمود فى ذلك الوقت بحبس الرئيس الأسبق حسنى مبارك 15 يوما على ذمة التحقيق فى قضية قتل المتظاهرين، وهو نفس التاريخ الذى يقسم فيلم «نوارة» إلى نصفين، لأن صدور القرار أدى لسفر العائلة الثرية التى تعمل لها نوارة وتركهم القصر الفخم فى حماية بنت الخادمة التى كانت تنتظر من الثورة أن توفر لها الحد الأدنى من الحياة الكريمة.. بناء على ما سبق فإن فيلم «نوارة» وصل للجمهور فى دار العرض المصرية بعد 5 سنوات كاملة من حبس مبارك، ليكون السؤال البديهى هنا: لماذا لم تقدم المؤلفة والمخرجة «هالة خليل» هذا الشريط فى نهاية عام 2011 مثلا، أو خلال العام الذى يليه، مادام أنه بدأ وانتهى فى أبريل من عام الثورة؟
الإجابة على هذا السؤال هى نفسها التى تفسر أسباب الاحتفاء بالفيلم، والاستقبال الحار له من الجمهور.. فيما يلى الأسباب الخمسة - من وجهة نظري- التى جعلت «نوارة» ينافس مبكرا على لقب أهم فيلم مصرى فى 2016، ويمنح بطلته منة شلبى حتى الآن جائزتى تمثيل من دبى وتطوان، ويمهد لأن يكون الفيلم ممثل مصر فى جائزة الأوسكار أحسن فيلم أجنبى.


السبب الأول: التوقيت
لم يكن لينجح هذا الفيلم لو كتبت هالة خليل السيناريو كما رأيناه على الشاشة فى 2011، فالتوثيق الفنى للحدث التاريخى يحتاج إلى وقت يسمح للمبدع بالتأمل ورؤية الصورة من كل الزوايا، لهذا لا أبالغ عندما أقول إن هذا الفيلم هو الأول والأصدق تعبيرا عما جرى للمصريين فى ثورة 25 يناير وما بعدها، بل إنه نجح فى أن يعبر عن كل الفئات بحياد، وإن كان قد تجاهل الطبقة الوسطى لأن القصة لم تكن تحتمل أن يمثلهم أحد الأبطال، وركز على الطبقة العليا ومن هم تحت خط الفقر، حيث كلاهما يحتاج للآخر والثورة فشلت فى أن تفصل بينهما، فيما من قاموا بالثورة وضعوا الأغنياء فى قالب ثابت والفقراء أيضا فى قالب يخصهم، فجاء «نوارة» فى الوقت المناسب تماما ونجح فى أن يجعل الجمهور يتعامل معه كفيلم إنسانى لا سياسى، لا يمكن أن يشعر معارض الثورة بالاستياء وهو يشاهد ما يجرى لنوارة لأن بناء الشخصية أفلت من مرض «التسييس», كذلك وجد من يؤيد الثورة فى «نوارة» النموذج للملايين من الضحايا الذين لم يستفيدوا شيئا مما جرى. •


السبب الثانى: الإخراج
نحن أمام مخرجة قديرة تعرف كيف تعبر عن أفكارها على الشاشة، وتصبر على الورق حتى تختمر التجربة دون الحاجة للاستعجال الهادف فقط للتواجد والفخر بأن لدينا مخرجاً «سيدة» منتشرًا وله تجارب متتالية، هالة خليل نجحت أن تقدم شريطا يلقى الضوء على حياة شريحة واسعة من المصريين ظلمتها السينما بشدة فلم تقدمها بهذا الصدق من قبل، أو قدمت فقط الوجه البلطجى منها، وصحيح أن إيقاع الفيلم بات أقل جذبا بعد سفر الأسرة الثرية للخارج، لكن ليس كل ما يتمناه المشاهد يدركه، فالفيلم لا ينتمى لسينما الأحداث المتلاحقة التى يحب المتفرج أن يلهث وراءها مشهدا تلو الآخر، لكنه يقدم عدة شخصيات تعيش فى دائرة واحدة وكيف أثرت عليها الثورة، ولو كانت الأسرة الثرية بقيت فى مصر، لكانت الحياة بالنسبة لنوارة وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط. •


السبب الثالث: منة شلبى
تستحق الممثلة الشابة منة شلبى جائزتى دبى وتطوان وسيكون لها المزيد من الجوائز لاحقا خصوصا فى المهرجان القومى للسينما، إلا لو نجحت ممثلة أخرى فى تقديم مستوى أفضل خلال الشهور المقبلة، لكن يمكن القول الآن إن هالة خليل وُفّقت فى اختيار منة شلبى التى سيواجه من يشاهدها لأول مرة فى «نوارة» صعوبة فى تصديق أنها النجمة المعروفة التى قدمت الكثير من الشخصيات من قبل من بينها شخصية الفتاة الشعبية، لكن أعطتها «نوارة» خصوصية تجعل الشخصية والتجربة ككل تحتفظ بمكانة منفصلة فى دولاب توثيق مشوارها السينمائى الذى بدأ قبل 15 عاما من الآن، كانت «منّة» شجاعة على عدة مستويات فى هذه التجربة، أولا تقديم شخصية بهذه الصعوبة، وثانيا الموافقة على المشاهد التى تصنف بالجريئة دون الخوف من الانتقادات التى طاردت جيلها لسنوات طويلة تحت اسم «السينما النظيفة»، والأهم أن «منّة» أخلصت للتجربة ولم تتعامل معها على أنها مجرد بطولة مطلقة، لكن يظهر فى كل «شوت» بالشريط أنها اجتهدت لتحافظ على مستواها وتمسك بتلابيب نوارة من المشهد الأول حتى الأخير. •


السبب الرابع: كل هؤلاء النجوم
نوارة هى منة شلبى بالقطع، ربما تكون الشخصية الوحيدة فى الفيلم التى قابلت كل الشخصيات التى تمر بها الأحداث، هى الرابط بين الحى الفقير و«الكمبوند» الفخيم، لكن لا أحد ينجح بمفرده فى الحياة وعلى الشاشة، وجود العديد من الممثلين الكبار والصاعدين وحسن إدارة هالة خليل لهم ساهم فى خروج الشريط ككل بهذا المستوى، فى المقدمة طبعا المخضرم محمود حميدة الذى ترك وراءه عبارات مأثورة ستظل باقية فى هذا الفيلم، وكيف أدى شخصية رجل الحزب الوطنى الفاسد المستحيل أن تكرهه نوارة رغم أنه سبب رئيسى فى إفقارها هى وأهل منطقتها بالكامل، ويعد مشهد السفر من أفضل مشاهد الفيلم، حيث أداه ببراعة وبدون كلمة واحدة اللهم إلا أمرًا للسائق بإغلاق المذياع الذى كان يحمل خبر حبس مبارك، شيرين رضا كالعادة تجيد فى هذه النوعية من الشخصيات، أحمد راتب ربما لم نعرف الكثير عن خلفية شخصية «عم عبدالله»، لكنه كالعادة منح العمل الثقل المطلوب، فيما تعد المغامرة الأكبر تقديم المطرب والممثل النوبى أمير صلاح الدين كبطل مشارك لمنة شلبى وحبيب وزوج فى سابقة هى الأولى من نوعها فى السينما المصرية التى سادتها «العنصرية القاهرية» لسنوات طويلة، أما المفاجأة التى ظلمتها قلة عدد المشاهد فكانت «شيماء سيف» مقدمة برنامج «نفسنة» والممثلة الكوميدية القادمة بقوة، حيث غامرت بها هالة خليل فى شخصية الممرضة المستهترة المرتشية بدون موقف كوميدى واحد فأثارت الانتباه بشدة. •


السبب الخامس: الإخلاص لفن السينما
أخيرا يمكن القول أيضا، إن الفيلم استفاد من محدودية مواقع التصوير التى فرضها سيناريو هالة خليل، فوفر على الجمهور مجهود التنقل من مكان إلى مكان، ومن مدينة إلى أخرى كما يحدث فى بعض الأفلام فقط من أجل استعراض القدرات الإنتاجية، هنا نحن أمام فيلم «ملموم» إنتاجيا، لكن لا تشعر أن شيئا ما ينقص، والأغرب أن المتفرج يشعر بالتعاطف مع الحى الفقير لكنه لا يشعر بالنفور من الحى الفخيم، بل يتابع الشخصيات ويتعاطف مع الجميع، فالكل تائه بسبب ما جرى بعد الثورة، ولا يعرف أين الحقيقة، وهنا تكمن نقطة القوة الرئيسية التى بدأنا بها هذا التحليل. •

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف