مجلة المصور
جمال اسعد
القَسم الرئاسى ومطالب الجماهير
من المنتظر أن يؤدى الرئيس السيسى اليمين الدستورية أمام البرلمان يوم السبت القادم لبداية مدة ثانية للرئيس كرئيس لمصر، وهى ستكون المرة الأولى التى سيؤدى فيها الرئيس القسم أمام البرلمان منذ هبة ٢٥ يناير ٢٠١١.. .. ومن المعروف بروتوكوليًا أن يؤدى الرئيس القسم ثم بعد ذلك يستمع البرلمان إلى كلمة الرئيس يوضح فيها رؤيته السياسية ويبين خططه خلال الأربع سنوات القادمة التى ستبدأ يوم ٣/٦/٢٠١٨..





ولاشك فإن مدة الرئاسة الثانية هى موضع آمال كبار للجماهير المصرية خاصة لما كان وما حدث بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، حيث استغلت جماعة الإخوان الهبة يوم ٢٥ يناير وأرادت تصفية كل حساباتها والتمهيد للوصول إلى حكم مصر عن طريق إغفال وتغفيل النخبة السياسية والحزبية فى ذلك الوقت، حيث إن الظرف الموضوعى كان فى أوج نضجه لما كان من فساد واستغلال ورشوة وتزوير ومشاكل اقتصادية نتيجة لسيطرة قلة من رجال الأعمال المرتبطين بالنطام، الذين زاوجوا بين الثروة والسلطة فكانت انتخابات مجلس الشعب ٢٠١٠ وما شهدته من تزوير فج وبجح هى كلمة السر لتفجير ذلك الظرف الموضوعى، ولكن لم يتوافق ولم يتواجد ذلك الظرف الذاتى الذى يكمل الحلقة الثورية حتى تكون ثورة حقيقية تتملك رؤية سياسية وخطة ثورية بديلًا للسلطة الساقطة حتى تغير نواحى المجتمع تغييرًا جذريًا نحو الأحسن..



هنا كانت الثمرة قد نضجت لحساب جماعة الإخوان وتابعيهم مستغلين غياب الأحزاب عن الشارع السياسى، حيث كان الحزب الوطنى تجمعًا لأصحاب المصالح التى لاعلاقة لها بالجماهير ، الشيء الذى مهد للجماعة السيطرة على الشارع بخطاب دينى يستغل الدينى لصالح السياسى، ناهيك عن أن الجماعة قد اخترقت الخريطة الاجتماعية عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية والمساعدات الاجتماعية وحولتها إلى خريطة انتخابات تحت شعار «الدين والشريعة» فكان عام حكم الإخوان الذى بدأ فى عملية أخونة للمجتمع وتغيير للهوية المصرية، التى تشكلت عبر التاريخ والتى دائمًا ما تكون من أهم عوامل التوافق الوطنى والتوحد المصرى.. فانتفض الشعب ووقف الجيش الوطنى متوافقًا مع عقيدته الوطنية، التى تجعله دائمًا منحازًا للشعب ضد أى قوى أخرى.. وأسقطوا حكم الإخوان وجاء السيسى فى ظرف استثنائى بما تحمل الكلمة من معان.. فالدولة شبه دولة والفساد قد استشرى حتى أصبحت دولة فساد لا فساد دولة.. والفوضى عمت والأمن أسقط والأمان غاب والمشكلة الاقتصادية تفاقمت وتصاعدت لحدود الخطر الحقيقى، حيث ظهر على السطح الناتج لمشاكل اقتصادية متراكمة عبر عشرات السنين، الشيء الذى كان مصدر تهديد حقيقى ليس للاقتصاد ولا للنظام بل لسقوط الدولة ذاتها..



هنا كان الظرف والموقف والمرحلة استثنائية بلا جدال ولا مناقشة لكل من لديه حس وطنى وانتماء مصرى..



فمطلوب تثبيت الدولة وإعادة هيبتها وإعادة المؤسسات للقيام بدورها لإعادة الأمن والأمان، مطلوب بناء جيش وطنى قوى للتصدى للمؤامرات ولخطط إسقاط الدولة ولمواجهة الإرهاب على كل المستويات وبأقصى طاقة كان مطلوبا الإصلاح الاقتصادى الذي يوقف الاستنزاف ويبدأ فى التراكم الإيجابى..



وغير ذلك كثير الشيء الذى جعل هذا المشهد لايمكن الخروج منه بغير تضحية ويدفع الثمن ويتجرع كل الدواء المر.. لكل هذا ينتظر الشعب فى المدة الثانية للرئاسة تغييرًا حقيقيًا فى كثير من المجالات حتى نبدأ على الأقل أولى خطوات الخروج من النفق ومن عنق الزجاجة.. أول هذه المطالب وتلك الأمانى هى استمرار النظر للفقراء ومحدودى الدخل، وكذلك تلك الطبقة المتوسطة التى فقدت كثيرا من بنيتها الأساسية حتى أنها قد اقتربت من الطبقات الفقيرة.. ناهيك عن أصحاب المعاشات، فهؤلاء هم الوقود الذى اعتمد عليه الإصلاح الاقتصادى وهم الذين دفعوا ومازالوا يدفعون الثمن نتيجة لفقدان نصف القيمة الشرائية لدخولهم بعد التعويم الكامل للعملة ٣/١١/٢٠١٦ إضافة لتلك الهجمة الشرسة التى لا يوقفها قانون ولا يحدها رقابة من ارتفاع جنونى للأسعار بطريقة تجاوزت المعقول وأسقط كل قانون..



وهذه الهجمة السعرية التى لا ترحم قد طالت كل الأشياء ومنها الدواء.. فهل يعمل مثلًا غياب المحاليل الطبية حتى تباع فى بعض الصيدليات بسعر خمسين جنيها لزجاجة المحلول وسعرها الرسمى عشرة جنيهات؟ وهذا مثال بسيط، ولكنه يخص صحة وحياة البشر، مع العلم أن هذه الطبقة تحسبها من الآن أخماساً فى أسداس حول الزيادة المتوقعة فى أول يوليو للطاقة والكهرباء والماء والمواصلات، وبالتالى زيادة فى كل السلع.. وهل ستكون الزيادة فى المرتبات والمعاشات تتوازى مع زيادة الأسعار وتتوافق مع الزيادة المتوقعة بعد ذلك فى نسبة التضخم؟ نعم هناك عجز فى الموازنة وزيادة فى القروض الداخلية والخارجية، ولكن لابد من تفعيل مبدأ العدالة الاجتماعية، ولابد من أن يدفع الجميع ثمن الإصلاح القادر قبل غير القادر.. وهناك حلول كثيرة طرحت ومعروفة ومطلوب من الحكومة إعلانها وتطبيقها، خاصة أن الأغنياء والذين استفادوا من الوطن حتى الآن لم نر منهم مساهمات تقدم للوطن وتساهم فى الخروج من ظروفه الاستثنائية حتى الآن.. تنتظر الجماهير بعد هذه المواجهة الشجاعة والتاريخية للإرهاب خاصة بعد عمليات سيناء ٢٠١٨ ودور الجيش والشرطة فى هذه المواجهة الأمنية، وهى مواجهة للإرهابيين وهذا ضرورى ومهم، ولكن نريد مواجهة للفكر الإرهابى فى الأساس، هذا الفكر الذى يفرخ ويربى ويصدر الإرهابيين طول الوقت وفى كل مكان.. وهذا هو الخطر الحقيقى الذى سيظل يلاحقنا.. وهذا بالطبع يحتاج إلى تضافر وتوحد كل مؤسسات الدولة الدينية والتعليمية والإعلامية والاجتماعية والثقافية فى مواجهة هذا الفكر الذى يعتمد فى الأساس على مبدأ قبول الآخر الدينى وغير الدينى كبداية لمواجهة هذا الفكر الإرهابى..



كما تنتظر الجماهير حراكًا سياسيًا حقيقيًا لتنشيط الحياة السياسية والحزبية حتى تكون هناك مشاركة جماهيرية فى اتخاذ القرار عن طريق التعددية السياسية والحزبية التى لا تستقيم بغيرها أى ممارسة ديمقراطية.. وحتى يكون هناك كوادر سياسية فى كل المواقع السياسية، فمصر ولادة ولن تجدب أبدًا.. مع العلم بأن الحياة الحزبية لاتصنع ولكنها لابد أن تبدأ البداية الطبيعية فى الشارع ومن الشارع.. فكم من التجارب الحزبية من ولد عن طريق السلطة ومن وجد من خلال البرلمان، ولكن النتيجة نراها بأعيننا الآن..



الآمال عريضة والمطالب كثيرة والظروف صعبة والمواجهات كبيرة والتحديات ثقيلة، لكن الشعب المصرى قادر دائمًا على التحدى والصمود والتحمل ودفع الثمن.. طالما شعر بالعدالة وعدم التمييز وتفعيل المواطنة والالتزام بالقانون وعدم المحاباة ومطلوب محاربة الفساد والقضاء على المحسوبية حتى يتأكد المواطن الذى دفع ويدفع الثمن بأنه مواطن فى وطن يمتلكه مثل كل المصريين..



الرئيس السيسى يثق فى الشعب الذى وثق فيه.. الشعب الذى فوضه فى محاربة الإرهاب، الذى اختاره رئيسًا للمرة الثانية، الشعب يعلم أن السيسى يعى المعاناة ويقدر ذلك عليه الآن أن يجعل الشعب قادرًا على الموازنة بين المأمول والمطلوب حتى تكون بحق مصر لكل المصريين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف