الأهرام
هانى عسل
دم «مريم» فى رقبة بريطانيا
البريطانيون من أجمل وألطف أنواع الشعوب الذين يمكن أن تقابلهم فى حياتك، ولكن بريطانيا كدولة ونظام وأجهزة وسياسات وإعلام؟ .. «اسمح لي»!

تتعامل مع أى مواطن بريطانى عادي، تشعر وكأنك تتعامل مع أى مصرى خفيف الظل و«جدع» و«ابن بلد» ولكن، تقرأ الأخبار وتتابع الأحداث، تجد اسم بريطانيا فى كل مصيبة، وتجدها «أسس البلاء»، بداية من وعد بلفور، ومرورا بفضائح «الربيع العربي» ونهاية بحادثة «مريم»!

بريطانيا «العظمي» سابقا، استعمرت العالم، وسرقت خيرات الشعوب، وقتلت واعتقلت وعذبت الآلاف فى مصر والهند وغيرهما، ومع ذلك، يحاضروننا الآن عن الحريات وحقوق الإنسان!!

بريطانيا قبل سنوات، خاضت حربا فى العراق دون قرار دولي، وبناء على «معلومات كاذبة» قدمها لهم «صاحبنا» إياه بتاع الربيع، عن وجود أسلحة دمار شامل هناك، نووى وكيماوى وبيولوجي، فقتلت من قتلت، ونهبت ما نهبت، ودمرت بلدا بكامله، وأهانت شعبا من أرقى الشعوب العربية، ومع ذلك، تفاجأ بهم الآن يحدثونك عن الديمقراطية والشرعية والحكم الرشيد!

وبريطانيا الآن، دولة «ولا مؤاخذة» تزعم الشرف والفضيلة، و«تسلط» أذرعتها الإعلامية طويلة اللسان مثل «بى بى سي» و«رويترز» وغيرهما على دول العالم، وهى فى الوقت نفسه، تستضيف على أرضها، وبحرية تامة، جيوشا من المشبوهين والمطلوبين والمتطرفين الهاربين إليها من مشارق الأرض ومغاربها، تحت ستار المنح الدراسية، أو عضوية منظمات دولية وإقليمية، أو بحجة الجنسية المزدوجة، وذلك بهدف ابتزاز دولهم الأصلية والضغط عليها وقت اللزوم، وحسب المزاج، ووفقا لآخر المخططات والمؤامرات والأفكار الجهنمية.

فى بريطانيا، التى تملك أعتى الأجهزة الأمنية، «إم آى 5» و«إم آى 6» و«سكوتلاند يارد» وقانون مراقبة الاتصالات الهاتفية والنت، يعمل المتطرفون بحرية كاملة، تحت ستار حرية التنقل وحرية التعبير، لتهديد أمن دول كثيرة، والأمن العالمي، ولكن دون الاقتراب من الأمن القومى البريطاني، فهم شبه مجندين أو «مكلفين» بمهام محددة.

بريطانيا مقر «العفو الدولية» وبلد الجامعات المرموقة، ومراكز الأبحاث العالمية، هى نفسها معقل الإخوان، والنفوذ القطري، والأموال المهربة، منها خرج محمد الموازي، أو «جون» قاطع الرءوس فى داعش، وفيها ظهرت خلايا برمنجهام، وخلية «البيتلز» وخلية «مدرس» شرق لندن، وفيها تعجز أجاثا كريستى عن كتابة روايات بوليسية تحل ألغازا كثيرة جرت وقائعها على أرض بريطانيا: ديانا، الفايد، أشرف مروان، سعاد حسني، ألكسندر ليتفينينكو، وأخيرا، جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس المختبئ فى سفارة الإكوادور، والمهدد بالتصفية فى أى وقت!

قبل أيام قليلة، وتحديدا 28 فبراير الماضي، حذر مارك رولى مساعد قائد شرطة لندن من أن خطر الإرهاب القادم فى بريطانيا قادم من اليمين المتطرف، وليس من المتطرفين الإسلاميين، وأكد أن اليمينيين المتطرفين يخططون لشن عمليات إرهابية داخل بريطانيا، و«هوبا»، وبالتزامن مع هذا التصريح، وقع الاعتداء البشع على مريم، طالبة الهندسة المصرية، التى كانت تسير بمفردها فى شارع «البرلمان» أحد أكثر شوارع مدينة نوتنجهام زحاما، فقد تعرضت للضرب البشع على أيدى عشر فتيات بريطانيات من أصول إفريقية، دون سبب مفهوم، مما أدى إلى تعرضها لإصابات «موت».

وحقيقة، لا أعرف سر التزامن بين تصريح مساعد قائد شرطة لندن وحادث «مريم»، وما إذا كان الرجل يحذر أم يتوقع هجوما كهذا، ولكن ما أعرفه أن بريطانيا «صدعتنا» و«فلقت دماغنا» على مدى أعوام بالحديث عن الحريات وحقوق الأقليات، وكانت مواقفها معنا مخزية منذ 30 يونيو، فدافعت عن «شرعية» مرسي، و«سلمية» الإخوان، ودماء المصريين تُسفك، ودافعت عن حنان وطيبة قلب الإرهابيين، ومتفجراتهم تمزق أجسادنا إلى أشلاء، وتبنت مواقف اتسمت بالعدائية و«الصلف» وسوء التقدير، بداية بحظر السفر للمنتجعات المصرية، ومرورا بقضايا ريجينى وحلاوة وسائحة الترامادول وسائح مستشفى الغردقة، ونهاية بفضيحة «زبيدة» التى ألحقت العار بالإعلام البريطاني، بل وبحكومة بريطانيا بكاملها، التي تقحم نفسها في الدفاع عن ناشط «اتخربش» فى دولة أخري، أو عن فتاة تزعم أنها مختفية، في حين تسجل فشلا ذريعا ومخجلا فى منع جريمة اعتداء بشعة على فتاة مسالمة فى أحد شوارعها، وفشلا أكبر فى الوصول للجناة، ومحاسبتهم، بينما يتعامل إعلامهم باستهتار مع الحادث، لأنه طبعا مشغول بـ«زبيدة» وأيقونات يناير، أما سفارتهم في القاهرة فجاء بيانها عن الحادث ركيكا غير مقنع.

.. أخيرا، لا أدرى لماذا أشعر بأن «قلبى متوغوش» على محمد صلاح بعد أن تجاوزت نجوميته خطوط بريطانيا االحمراء!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف