الأخبار
د.محمد مختار جمعه
قيمـــة الإيثـــار
الإيثار خلق من الأخلاق الكريمة التي تدل علي المروءة، والشهامة، والنبل، والإنسانية، والرقي، فديننا الحنيف يحثنا علي الإيثار وسخاء النفس، وينهانا عن كل ألوان الأثرة والأنانية، وقد أثني القرآن الكريم علي الأنصار ووصفهم بهذا الخلق النبيل، فقال سبحانه : »وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»‬، وأَتَي رَجُل النَّبِيَّ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، فَبَعَثَ إِلَي نِسَائه، فَقُلْنَ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : »‬مَنْ يَضُمُّ هَذَا، أَوْ يُضِيفُ هَذَا ؟ »‬ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَا، وَانْطَلَقَ بِهِ لَهُ إِلَي امْرَأَتِهِ، فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَانِ ! فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ السِّرَاجَ، فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ فَلَمَّا أَصْبَحَا غَدَا إِلَي رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ : ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَي :»وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ »‬.
وفي الصحيحين عن عائشة (رضي الله عنها ) قالت : »‬جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلي فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما - يعني شقت التمرة بينهما - ، تقول عائشة (رضي الله تعالي عنها) : فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فقال: »‬ إن الله قد أوجب لها بها الجنة »‬، »‬ أو أعتقها بها من النار».
وعن حذيفة العدوي أنه قال : انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، وَإِنَاءٌ، فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَغُ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَسْقِيكَ ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا رَجُلٌ ، يَقُولُ : آهِ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ : أَسْقِيكَ ؟ فَسَمِعَ آخَرَ ، يَقُولُ : آهِ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَي هِشَامٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ عَمِّي، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال : »‬ قدم عبد الرحمن بن عوف فآخي النبي (صلي الله عليه وسلم) بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني علي السوق، فأتي السوق فتاجر وبارك الله له حتي صار من أكثر الناس مالاً وبركة.
ولما حضرت الوفاة سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال لابنه عبد الله : »‬ يا عبد الله بن عمر اذهب إلي أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) فقل : يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبي، قالت : كنت أريدها لنفسي فلأوثرنه اليوم علي نفسي »‬.
وأعلي درجات الإيثار هو إيثار ما عند الله علي الدنيا وما فيها، استجابة لقوله تعالي : »‬ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ »‬، ومنه ما كان من أبي طلحة الأنصاري (رضي الله عنه) حيث كان الرجل أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان (صلي الله عليه وسلم) يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما أنزلت هذه الآية: »‬ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ »‬ قام أبو طلحة إلي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فقال : يا رسول الله إن الله تبارك وتعالي يقول : »‬ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ »‬، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : »‬بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أري أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
فما أحوجنا إلي العودة إلي ديننا وقيمنا والتحلي بهذه الأخلاق الكريمة.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف