الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
نحو وعى وطنى بطبيعة المعركة
نعم كان الدم البرىء صادماً، وقاسية كانت رسالة الأجساد التى فارقتها الأرواح بفعل رصاصات الغدر والتوحش، وعم الوجع أنيناً انتقل من حناجر الجرحى والمكلومين فى ذويهم وفلذات الأكباد إلى أرواحنا سَرَى، وهذا الوجع يدفعنا لتصويب المسار وتفعيل الأدوات وصقل الأسلحة تأهباً لصناعة انتصار مصرى خالص على تتار العصر غير المنفصلين عن طبيعة الإدارة العالمية لمنطقتنا. دعونا علناً وبصوت مسموع لضمائرنا فرادى وجموعا، نُقِرُ بأننا (أمة فى حالة حرب)، إنها الأرضية التى ننطلق منها نحو التأهل إدارة وشعباً، مؤسسات عامة وخاصة، نحن أمة فى حالة حرب، غير أن الحرب الدائرة حالياً، هى حرب استنزاف مفتوحة الجبهات، وبالتالى لنستوعب شمول الاستهداف، فعندما تكون الحرب مُعلنة على سائر ربوع الوطن، يكون كل الوطن جبهة قتال، ويستحيل الجميع أهدافاً لقصف العدو، وبالتالى يصبح كل المواطنين جنوداً يرابطون على ثغر الوطن الصامد.

عبر هكذا استيعاب شامل لطبيعة المعركة، يمكننا الانتقال إلى خانة إدراك طبيعة العدو، والذى هو (تنظيمات إرهاب)، وهذا العدو يتبع آلية تشتيتية إعلامية توزع على وعينا كل حين (اسم تنظيم جديد)، بحيث نبقى كل حين ندور فى فلك البحث عن أصل التسمية وطبيعة الأهداف، بينما العدو يتحرك مطوراً أدواته، وبالتالى يصبح الواجب علينا فى المواجهة ألا ننشغل باختلاف المسميات، وليكن العنوان الرئيسى للمعركة هو (مصر تواجه الإرهاب)، وهذا الإرهاب أصله تنظيماً نما برعاية إنجليزية على أرضنا، وحمل عنواناً أصيلاً لكل تنظيمات التطرف الدينى هو (الإخوان). وبالتالى ننتقل لخانة تحديد نوع الإرهاب الذى نواجهه، وفى هذا الصدد يطرح الواقع سؤالاً من اسئلة المصير (هل الإرهاب المسلح الذى يفجر فى وجوهنا الدماء هو أخطر أنواع الإرهاب؟)، والحقيقة أن الإرهاب المسلح هو رأس جبل تنظيمى غاطس فى محيط واقعنا، وبالتالى يظل الإرهاب المسلح مجرد انعكاس لفعل منظم متكامل يُنتج فى واقعنا العشرات من حاملى السلاح والأحزمة الناسفة، وبتعريف بسيط الإرهاب المسلح هو أحد خطوط الإنتاج لماكينة تنظيمية تربوية ودعوية خطوط إنتاجها تتعدد لتبدأ من طرح الأفكار المتطرفة وبناء الحواضن الشعبية القابلة لانتشار جراثيم التطرف، ويُسوق لها خطوط إنتاج متعددة مدعومة غربياً ومخابراتياً تنتج لنا منتجات دينية وسياسية وإعلامية وحقوقية وخدمية، وتستهدف عموم المجتمع بداية من المنظومة الإدارية للدولة، ومروراً بمؤسسات الوطن جميعها وانتهاءً بتنوع مكونات الطيف المجتمعى (من عمال ومهنيين ودعاة وأكاديميين، وتجار وحرفيين، نخبة وعوام، رياضيين وطلاب وتلاميذ)، وكذا ألوان الطيف الإنسانى (من رجال ونساء وشباب وفتيات وأطفال).وبهذا ننتقل إلى أصل مشروع تنظيمات الإرهاب، وهو مشروع هدم شامل لافرق فيه بين أفكار (داعش والقاعدة) عن منهج الأصل (الإخوان) الذى صاغه حسن البنا عام 1928، حين قال زاعماً ، البناء عبر هدم كامل المنظومات القائمة محدداً أهدافه فى (إعادة بناء الفرد المسلم، ثم المجتمع ثم الدولة فإقامة الخلافة وأستاذية العالم)، هذه الرؤية القائمة على رفض الواقع تطورت تدريجياً بحسب تطور حضور تنظيمات التطرف فى المجتمع حتى بات وهم الخلافة سلاحاً فتك بدول كانت حاضرة فى الواقع الإنسانى والتاريخ من قبله، مثل (أفغانستان - فلسطين -السودان - العراق - سوريا - ليبيا - اليمن)، وفى واقعنا تحول مشروع الإرهاب والتطرف إلى وسيلة معتمدة من الإدارة الأمريكية لفرض مشروعها التفكيكى للمنطقة عبر مشروع (الشرق الأوسط الجديد) والذى أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية من قلب عاصمة الاحتلال لدولة الكيان الصهيوني، وتم تعميده رسمياً عقب ما سمى بالربيع العربي.

وبذا يصير اليقين الجميعي، هو أننا أمة فى حالة حرب مع الإرهاب أياً ما كان اسم تنظيمه وتعمل فصائله عبر خطوط إنتاج متعددة وتستهدف كامل مكونات المجتمع، والظاهر منها هو المسلح فقط، والجميع يعمل فى إطار رعاية واستثمار من قبل النظام العالمي، وهذا اليقين يعوزه اكتمال رؤية الأهداف التى يوجه لها الإرهاب سلاحه، والتى بمراجعة الواقع فى دول تمكين هذه التنظيمات مثل العراق وسوريا وليبيا، نكتشف أن سلاح الإرهاب بدأ بإعلان الحرب على المؤسسات الأمنية لإيهام المجتمع أنه يواجه استبداداً سياسياً، ثم منه انطلق إلى مؤسسات الدولة تحت دعاوى تقويض مقدرات النظام، وعندما وجه سلاحه لعموم المواطنين كانت البداية فى المسيحيين لإيهام البعض أنها حرب دينية، وتدريجياً بدأ بمن صنفه شيعة أو صوفية باعتبارهم كفاراً لينتهى بعموم المسلمين كونهم على غير ملة التنظيم.إنها معركة طويلة ومفتوحة تقصر كلما أسرعنا فى امتلاك وعيها المؤهل للانتصار،... وللحديث بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف