المصرى اليوم
ايمن الجندى
(السند) بلا سند
الأستاذة الإعلامية «رولا خرسا» تكتب على صفحات هذه الجريدة سلسلة من المقالات بعنوان «السند»، تستلهم فيها قصص الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه جميعا. وهذا بالتأكيد شىء رائع ويمتلئ بالعظات والمعانى الجميلة. لكن أخشى أن هناك مشكلة منهجية تتمثل فى مرجعية القصص التى ترويها.

■ ■ ■

ولعلكم تتفقون معى أن قصص الأنبياء ليست أسمارا وتسالى. لذلك حين تورد الكاتبة التفاصيل فإنه يحق لنا أن نتساءل عن المصدر ومدى مصداقيته؟

على سبيل المثال لا الحصر، ذكرت فى مقالها عن سيدنا هود ما يلى: (اسم سيدنا هود كاملاً هو هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح). ولقد أسندت الكاتبة هذا النسب إلى (ابن كثير)، وهنا يأتى السؤال: من أين عرف ابن كثير ذلك؟ هل كان معاصرا للنبى هود عليه السلام؟ بالطبع لا. هل يُوحى لابن كثير؟ بالقطع لا. هل لديه مصادر للمعرفة غير ما لدينا من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؟ بالتأكيد لا. إذا فالاستشهاد بابن كثير (المتوفى عام ٧٧٤ هجرية) ليس له أى مصداقية لدى أى إنسان يُعمل عقله النقدى.

■ ■ ■

مثال آخر ورد فى مقالها الأخير عن أخت سيدنا موسى عليه السلام. تقول: «من العلماء من يؤكد لنا أن اسم أخت سيدنا موسى الحقيقى كلثم».

وبصرف النظر عن أن اسمها ليس مهما (فلو كان مهما لذكره القرآن)، فإننا نتوقف عند نفس المعضلة المنهجية: كيف عرف هؤلاء العلماء ذلك؟ هل كانوا معاصرين لها؟ هل يُوحى لهم؟ هل لديهم مصادر للمعرفة غير القرآن والأحاديث الصحيحة؟ والإجابة معروفة بالتأكيد!

■ ■ ■

والأغرب من ذلك هى تلك التفاصيل التى ذكرتها بخصوص غيرة سيدنا هارون وأخته من موسى! وعقابهما بالبرص! وكلها أشياء ليست فقط لا تليق بمقام النبوة، وإنما لا دليل عليها مطلقا من القرآن، الذى هو العمدة، بل ربما المصدر الوحيد، لما نعرفه –يقينا- عن الأنبياء.

■ ■ ■

أريد أن أنوه إلى عدة أمور:

أولا: بالنسبة لنا كمسلمين فقد ذُكرت قصص الأنبياء مرارا فى القرآن الكريم. وهذا هو المصدر الوحيد قطعى الورود، فكل حرف فى كتاب الله حق. أما عدا القرآن الكريم فيصعب أن نتخذه مصدرا لأى تفاصيل تخص الأنبياء، باستثناء القليل جدا من الأحاديث القولية المتواترة الصحيحة (وقد سبق لنا الحديث عن التواتر الذى لم يبلغ ثلاثمائة حديث لدى أكثر الأئمة تساهلا فى شروط التواتر). وبالتالى فإن الأحاديث التى تجمع بين الصحة والتواتر عن الأنبياء قليلة جدا.

ثانيا: الأصل فى قصص القرآن الكريم هو التجريد والإبهام فى التفاصيل وخدمة الغرض الدينى التربوى. فقصص الأنبياء لا تُذكر للسمر والمؤانسة وإشباع الفضول. وإنما تُذكر حيثما اتصلت بالغرض الدعوى الإرشادى. ولطالما أبهم القرآن الزمان والمكان والتفاصيل فى القصص القرآنى، لأن المهم هو المغزى والعبرة والدعوة إلى الله (وهذا موضوع مقال مستقل لا تتسع له مساحة هذا المقال)، فلماذا نتكلف فى معرفة ما أخفاه الله عنا لحكمة، ونذهب إلى غير المؤكد؟!

ثالثا: لقد امتلأت رؤوس جيلى بمعلومات دينية كثيرة، أقلها من القرآن، وأكثرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ناهيك عن الحكايات المرسلة التى لا أصل لها. وقد أُضطررت فيما بعد إلى بذل جهد كبير لفرز المقدس عن غير المقدس، وأتمنى ألا تمر الأجيال الجديدة بنفس المشكلة.

■ ■ ■

عودوا إلى كتاب الله فانهلوا منه فهو الحق الذى لا ريب فيه، ودعكم من الحكايات المرسلة والأحاديث الضعيفة وأسمار المفسرين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف