الجمهورية
عبد العال الباقورى
ربع قرن علي "أوسلو".. ماذا بعد؟
في سبتمبر من العام المقبل 2018. يكتمل مرور ربع قرن كامل علي توقيع اتفاق أوسلو في البيت الأبيض الأمريكي. في 13 سبتمبر 1993. وهو اتفاق شهد شداً وجذباً قبل توقيعه واستمرت الخلافات حول بند أو آخر من النص حتي اللحظات الأخيرة. ولكن التوقيع تم في حفل زاخر وبهيج. وأثار في الوقت نفسه ردود فعل قوية ناقدة ومعارضة. ولكنها انزاحت تدريجياً. وأصبح الاتفاق "أمراً واقعاً". كما يقولون وعندئذ علا صياح المهللين الذين ملأوا الدنيا تفاؤلاً بالخطوة الجبارة التي ستغير وجه الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي بل والصراع العربي الصهيوني كما ستغير وجه العالم! وسيطرت المبالغة وتواري النقد الذي أصبح سطوراً أو صفحات في الكتب التي صدرت. خاصة تلك التي كتبها رعاة الاتفاق ومفاوضوه وموقعوه من جانب منظمة التحرير الفلسطينية. وما كتبه هؤلاء يبدو اليوم وقبل اليوم علي حقيقته حين نقارنه بما جري ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يكاد يلتهمها غول الاستيطان. بينما أصبح هدف الدولة الفلسطينية المستقلة حلماً. ولم يعد أملاً. وإن بقي في ضمير الشعب الفلسطيني هدفاً لا تنازل عنه.
أين هذا مما كتبوه وسطروه قبل حوالي ربع قرن من اليوم. حتي رووا في كتب مهمة حبروها ان هنري كيسنجر خبيث الدبلوماسية الصهيو ــ أمريكية قال في مأدبة غداء أقامها الرئيس الأمريكي كلينتون علي شرف الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي. قال لبعض أعضاء الوفد الإسرائيلي "وذلك علي مسمع من بعض أعضاء الوفد الفلسطيني الذين كانوا يجلسون إلي المائدة نفسها. إذ تساءل كيسنجر بمرارة أمام الإسرائيليين: "كيف وافقتم علي هذا الاتفاق؟ أنتم صنعتم بذلك الأساس بأيديكم لقيام دولة فلسطينية". بل توقع كيسنجر حسب صاحب هذه الرواية قيام هذه الدولة آجلاً أم عاجلاً. وقد لا يستغرق الأمر ثلاث سنوات" لم يكتف كيسنجر بهذا بل أضاف ــ حسب الراوي" لو أن جولدا مائير "رئيسة الحكومة الإسرائيلية سابقاً" في قيد الحياة وعدتم إليها بهذا الاتفاق لشنقتكم وعلقتكم من أرجلكم. وصاحب هذه الرواية هو السيد أحمد قريع "أبو علاء" الذي قاد خلية التفاوض الفلسطينية في أوسلو. إلي أن تم التوقيع بالأحرف الأولي علي نص تم التوصل إليه. في العاصمة النرويجية أوسلو. وجاءت روايته في كتابه "مفاوضات أوسلو 1993 ــ 1" وهو جزء صدر في عام 2005. من كتاب متعدد الأجزاء عن "الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلي خريطة الطريق". وروي الحكاية نفسها ممدوح نوفل عضو اللجنة العليا لمتابعة المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية. وذلك في كتابه "قصة اتفاق أوسلو ــ الرواية الحقيقية الكاملة" الصادر قبل كتاب أبو علاء بعشر سنوات. مع اختلافات بسيطة بين الروايتين.
وثائق الخارجية النرويجية
وعلي مدي أسبوع أو أكثر غرقت بحثاً عن طريقة طرح الموضوع في البداية اتجهت إلي الاهتمام بالحالة النفسية والمزاجية لصاحبي القرار. أي الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين. ووجدت مصدرين لذلك. أحدهما فلسطيني وهو كتاب ممدوح نوفل الذي سلفت الاشارة إليه. والثاني إسرائيلي وهو مقال كتبه "ايتان هابر" مدير مكتب رابين عند توقيع الاتفاق. وهو أصلاً صحفي قبل أن يكون سياسياً أو رجل مكاتب. والمقال طويل نسبياً وهو منشور في صحيفة "يد يعوت أحرونوت" في 18 سبتمبر 2013. أي بعد عشر سنوات من توقيع اتفاق أوسلو.
ولم أتوقف عند هذا. بل رحت ألقي نظرة علي كتب قرأتها. بعضها لم أكمل قراءته. وأخري لم أقرأها.
وعند المزيد من القراءة. برز عنصر جديد ومهم وهو المعارضة الفلسطينية القوية من اتجاهات مختلفة لاتفاق أوسلو. واستوقفني بالذات كتاب الأستاذ نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وهما "أوسلو والسلام الآخر المتوازن" 1998. و"أبعد من أوسلو: فلسطين إلي أين؟" .2000
وكتاب الأستاذ الدكتور أنيس صايغ "13 أيلول" الصادر في 1994. والكتب الثلاثة تسجيل موثق لردود الفعل القوية علي توقيع الاتفاق. وثار السؤال: أين ذهب هذا الرفض ولماذا تواري؟ ووجدت ذلك جديراً أكثر بالكتابة. وقبل ساعات من بدء الكتابة. رحت أبحث عن أعداد أخيرة من المجلة الرصينة "مجلة الدراسات الفلسطينية" وفعلاً وجدت مقالاً مهماً في العدد 109 من هذه المجلة. الصادر في شتاء 2017. المقال. عنوانه هو "عن عرفات والنرويج وإسرائيل: ولادة "عملية أوسلو" وموتها وكاتبه باحثة نرويجية نشطة هي "البروفسورة ميلدي هنريكسون فوجي" التي أثارت كتاباتها ثائرة وزارة الخارجية النرويجية بل وثائرة السلطة والمؤسسة الحاكمة. إذ راحت تقلب بدقة في أرشيف وثائق الخارجية. وخرجت بجديد حقاً. لم يسبقها إليه أحد. وهو جديد مثير. فقد اكتشفت أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وليس أحداً غيره هو صاحب فكرة القناة الخلفية للمباحثات مع إسرائيل. وقالت بناء علي وثيقة وجدتها في أرشيف وزارة الخارجية. إنه في سنة 1979 بعد الثورة الإيرانية. طرحت أمريكا علي النرويج فكرة أن تصبح المزود الرئيسي للنفط بدلاً من إيران. وجاء دبلوماسي نرويجي إلي الزعيم الفلسطيني يستطلع رأيه في تزويد إسرائيل بنفط بحر الشمال. وكان رد فعل عرفات. بحسب رواية المؤرخة "إذا كنتم تريدون أن تصبحوا المصدر الرئيسي لتزويد إسرائيل بالنفط فهذا شأنكم. وفي أي حال أنتم أصدقاء إسرائيل. لكن بما أنني كريم جداً. وأبدي تفهماً كبيراً لكم أنتم النرويجيون. فإنني أريد خدمة منكم في المقابل. إسرائيل ترفض أن تتحدث معي. ومشكلتي أنه ليس لدي دولة مستعدة لأداء دور المسهل أو الوسيط في قناة خلفية تسمح بمفاوضات مع إسرائيل. أنتم النرويجيون أفضل أصدقاء لإسرائيل. والإسرائيليون يثقون بكم. لذا أريد منكم أن تفتحوا قناة خلفية تسمح بمفاوضات سرية للسلام بين منظمة التحرير وإسرائيل" عاد المبعوث النرويجي إلي أوسلو. وأبلغ حكومته بموقف الزعيم الفلسطيني من النفط. وباقتراح القناة الخلفية الذي أثار استغراباً في البداية. ثم ما لبثت فكرة القناة الخلفية أن سلكت طريقها إلي التنفيذ. وفصول وخطوات التنفيذ وعثراته سجلها تفصيلاً مفاوضون فلسطينيون في أوسلو. أولهم هو ممدوح نوفل "وهو غير ميشال نوفل" وثانيهم أحمد قريع "أبو علاء". أما محمود عباس "أبو مازن" الرئيس الفلسطيني الحالي فقد صدر كتابه "طريق أوسلو" في .1994
محاصرة المفاوضين؟
وخرجت الباحثة النرويجية باستنتاجات أخري من تقليب الوثائق لا تقل أهمية عن الحقيقة السابقة. ومن بينها مثلاً أن إسرائيل أبلغت النرويجيين في مفاوضات المرحلة الثانية من خلال القناة الخلفية بالتزام الصمت المطبق. لماذا "لأن تل أبيب أدركت أنه في أوسلو يمكنها أن تحاصر الفلسطينيين وتنتزع منهم تنازلات أكبر. كونهم ضعفاء وليس هناك أحد يساعدهم" أليس هذا ما حدث فعلاً. واقرأوا تفصيلات ذلك في الكتب التي سلفت الاشارة إليها. لذلك تلقت لجان نرويجية كانت نشطة في دعم الشعب الفلسطيني. تلقت الشك خاصة منذ 2005 توقيع أوسلو ورأوا في ذلك دليلاً علي شكوكهم منذ فترة طويلة.
إن أبحاث الأستاذة هيلدي جديرة بالقراءة والترجمة لأنها تكشف وقائع ـ حقائق تجاهلها المفاوضون الفلسطينيون الذين خرجوا مكبرين مهللين وكأنهم فتحوا مكة. ولم يكن في الأمر فتح ولا نصر. وفي الأغلب كان نصراً مخلوطاً بالهزيمة. وأحياناً يكون هذا هو الأخطر. وكل هذا يستدعي مجدداً إعادة البحث والنظر والتقويم في عملية التسوية. سواء في أوسلو وفي غيرها. والسؤال المطروح منذ سنة التوقيع. والذي طرحه القيادي الفلسطيني نايف حواتمة هو: فلسطين إلي أين؟ وهذا سؤال الساعة خاصة مع مرور ربع قرن علي توقيع أوسلو. فأين هي المكاسب والخسائر من وراء هذا الاتفاق؟ وما مدي تأثيرها علي الأهداف الثابتة. والأصيلة والتي لا يجوز الدفاع عنها. وعلي رأسها هدف فلسطين المستقلة. وعاصمتها القدس؟!
ليس دفاعاً عن "الجمهورية"
قالوا إن "الجمهورية" تتعرض لـ"هجمة" قلت: "ياما دقت علي الراس طبول" وهذه ليست الأولي. ولن تكون الأخيرة. ويا أهلاً بالمعارك. إذا كانت حقاً هناك. وكان هناك من يعارك "الجمهورية".
وبداية ونهاية. ليست "الجمهورية" في حاجة إلي دفاع لا مني ولا من غيري من أبنائها المخلصين. فأعمالها تتحدث عنها بلسان مبين. وتاريخها وراءه أمجاد ومعارك وانتصارات صحفية. بأيد مصرية شريفة طاهرة. أي صناعة مصرية أصلية من أجل الوطن والشعب والجيش وبأموال مصرية معروفة المصدر. ولا تثير شبهات. ولا تطلق "احتمالات" تثير تساؤلات. ما أكثرها!!
هذه صحيفة فيها عبق وقبس من أصلها. إنها بنت ثورة يوليو المجيدة. وبكفالة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ولذلك فإنها ــ في مسيرتها ــ تعبر عن صعود وتراجع هذه الثورة ــ ولكنها مستمرة ما استمرت "ريحة" هذه الثورة. ولو بقي منها "نتفة" بسيطة.. وهذا سر "الجمهورية" الذي يدركه أبناؤها. بناتها وحماتها. جيلاً بعد جيل. والذين ينتقدون صحيفتهم من داخلها. وهم يهتفون: عاشت "الجمهورية" ألف عام وعام. وسنري.
واسلمي يا مصر
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف