الوطن
ياسر مشالى
جددوا عقولكم أولاً
«لا تخافوا على سلامة دينكم من تماثيل حجرية تزينون بها بيوتكم، بل خافوا من الأصنام البشرية التى تحتل رؤوسكم وتسجد لها عقولكم»، هذه مقولة المفكر الليبى الراحل الصادق النيهوم الذى قدم للمكتبة العربية والفكر الإنسانى إسهامات مهمة ومتنوعة تميزت بالجرأة وتمسكت بالمنطق فى وقت واحد. ربما كانت مقولة «النيهوم» شعاراً ومدخلاً لصياغة استراتيجية باتت حتمية لتجديد الخطاب الدينى بكل جوانبه، فلم يعد الأمر يحتمل التأخير، فربما كلفت ثانية التأخير الإنسانية شهيداً جديداً مهما كان اسمه أو دينه أو لغته أو الدولة التى يعيش فيها، فلا يخفى على أحد الاتصال الوثيق بين الفهم الخاطئ والتفسير المغلوط لبعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وكذلك فى فهم بعض تعاليم الإنجيل والتوراة والتلمود، وبين حالة الكراهية ومقت الآخر التى تقود إلى «التكفير» ومن ثم حوادث القتل والتفجير والدهس باسم نصرة الشريعة.

ورغم أن مصر الرسمية دعت منذ نحو 3 سنوات المؤسسات الدينية إلى ضرورة تجديد هذا الخطاب الدينى، إلا أن الواقع يثبت أن شيئاً عملياً واحداً لم يتم إنجازه حتى لحظة كتابة هذه السطور، وحتى لا تتحول هذه السطور كآلاف غيرها إلى هباء منثور أقترح على مشيخة الأزهر، بالتعاون المباشر مع وزارة الثقافة، البدء فوراً بإطلاق مشروع قومى يعتمد على نشر سلسلة كتيبات مختصرة تعدها نخبة من علماء الأزهر والكتّاب المستنيرين تتضمن «تراجم نقدية» للشخصيات الإسلامية والأئمة والفقهاء منذ عصر التابعين الأُوَل وحتى عصرنا هذا، وأيضاً كتيبات تقدم الرؤية الوسطية فى القضايا الشرعية الشائكة، ومنها تعامل المسلم مع غير المسلم، موقف الإسلام من المرأة، والجهاد، وفقه الأولويات، وغيرها.

مصر الشابة التى تضم بين ربوعها أكثر من 60% من الشبان، تحتاج للتعرف على «تقييم عصرى» لشخصيات وأئمة وطوائف إسلامية مثيرة للجدل مثل الإمام ابن حنبل وابن تيمية وابن رشد والمعتزلة والطوائف الشيعية وغيرهم، لتحرر عقول المصريين من كل الموروثات التى تعرضت للتشويه على مدى العصور الماضية.

هذه هى البداية الحقيقية لمواجهة أفكار سيد قطب وإخوانه والدواعش ومن سار على خطاهم.. بدون هذا المشروع القومى ووصوله إلى أكبر عدد من المصريين وبسعر رمزى لن تفلح جهود الدولة فى وقف المد المتطرف الذى أصبح أعدى أعداء الإسلام والإنسانية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف