الدستور
خالد عكاشة
والسؤال الصعب: إلى أين سيقود حسن نصرالله الجيش اللبنانى؟
ينتشر قرابة ألفى مسلح سورى من قدامى عناصر تنظيم «جبهة النصرة»، أو ما أصبح يعرف الآن بـ«جبهة فتح الشام»، فى جرود بلدة عرسال الحدودية اللبنانية شرقًا مع سوريا، وهى منطقة تستعد لمعركة حاسمة (بدأت أولى ملامحها أمس)، ضد هؤلاء المقاتلين المسلحين. وتتصاعد المخاوف من توريط الجيش اللبنانى، وتدخل «حزب الله» اللبنانى، بزعامة الأمين العام، حسن نصر الله، الداعم لقوات النظام فى سوريا، وسيستتبعه دخول الحزب فى مواجهة مع أهالى عرسال، وعلى وقع الحرب فى الجارة سوريا ينقسم الشارع والقوى السياسية فى لبنان، بين مؤيد لنظام الأسد، ومعارض له معارضة ناتجة عن معارضتهم لمؤيديه.

أجندة مستقلة لـ«حزب الله» عن الدولة


من المعلوم والواضح للجميع منذ بداية الأزمة السورية وصراعاتها أن «حزب الله» لديه أجندة مرتبطة بحلف معين، وللمعارضة السورية أجندة مرتبطة بحلف آخر. أما الدولة اللبنانية، وتحديدًا الجيش فينأى بنفسه عن هذا الحلف أو ذاك، ويقوم بمهمة تأمين استقرار لبنان والحفاظ عليه، وحفظ الأمن القومى اللبنانى، فكل ما قام به الجيش اللبنانى فى السابق كان عبارة عن عمليات استباقية ليس أكثر، سواء فى المناطق الحدودية أو فى الداخل اللبنانى. كما أنه فى المرحلة السابقة قام الجيش بمهمات ناجحة، بفضل تعاونه مع قوى «التحالف الدولى ضد الإرهاب» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واستطاع تأمين حصوله على معلومات مهمة منه، ونتيجة جهد كبير ومثمر قام به الجيش نجح فى منع وقوع عمليات إرهابية مؤثرة على الأراضى اللبنانية. المتداول فى وسائل الإعلام اللبنانية والسورية عن المعارك اعتبر أن هذه ليست من مخططات الجيش اللبنانى، بل هناك جهات (لم يسمها أحد) تحاول توريط الجيش فى معارك ما. والجيش ليس معنيًا بمعارك فى الداخل السورى، فالجيش معنى فقط بالدفاع عن القرى اللبنانية، وهو ما يقوم به بشكل ثابت ودائم، كما أن الجيش يرد بشكل قوى على كل هجوم يحاول المسلحون شنه تجاه القرى اللبنانية.
وبعبارات أكثر وضوحًا فإن «حزب الله» يحاول أن يستغل انتصار التحالف الدولى والجيش العراقى فى مدينة (الموصل) بالعراق، عبر تسويق أن «الحشد الشعبى»، المرتبط عقائديا بـ«حزب الله»، هو الذى انتصر فى الموصل. مع العلم أن «الحشد الشعبى» لم ينتصر فى الموصل، فالأمريكيون شنوا (١٦٠٠ غارة جوية) فى المعركة، والفرنسيون شنوا (٦٠٠ غارة جوية) مماثلة ومنسقة مع التحالف، وبالتالى فالحزب يسوق لانتصار الحشد الشعبى ليوظف الأمر لتدخل الحزب فى عرسال. ولذلك يرد فى الداخل اللبنانى، ممن هم على جانب مقابل من الحزب، أن «عرسال ليست الموصل العراقية ولا الرقة السورية»، ويؤكدون أن الجيش اللبنانى ليس طرفًا فى هذه المعركة، التى قد تؤدى إلى تهجير أهالى منطقة عرسال ومحيطها.



تضليل الخبراء العسكريين المقربين من «حزب الله»

البعض من الخبراء العسكريين المقربين من «حزب الله» يتبنون أطروحاته ويفسرونها بالمقابل، فى أن «المسألة ليست مسألة توريط الجيش، وإنما توجد فى عرسال جماعات مسلحة يتنافى وجودها مع السيادة اللبنانية. وتشكل خطرًا وتهديدًا للأمن اللبنانى، والجيش هو الجهة المكلفة بهذه المهمة، لذا هى ليست مسألة توريط للجيش». فالجيش اللبنانى كان قد وضع خطة من (ثلاث مراحل): الأولى وتم تنفيذها، تضمنت حصار وتطويق الجماعات المسلحة وإبقائها تحت السيطرة عبر المراقبة. والمرحلة الثانية ونفذها الجيش أيضًا، قامت على توجيه ضربات استباقية لمنع المسلحين من تشكيل قدرات هجومية.
أما المرحلة الثالثة، وفق هذا الطرح فهى الباقية ويستعد لها الجيش كليًا، وهى تنظيف الجرود، حتى لا تبقى هذه المناطق خارج السيادة اللبنانية. بالنظر إلى أن هذه المساحات ليست صغيرة، فهى بطول (١٥ كلم) وعرض (١٨ كلم)، أى أن مجمل المساحة حوالى (١٥٠ كلم مربع)، وهى تحت سيطرة تنظيمات إرهابية بينها «داعش، والنصرة» حيث يبلغ عدد عناصرهما (٢٠٠٠ مقاتل مسلح)، وبالتأكيد من واجبات الجيش اللبنانى استعادة السيادة على تلك الأرض.



مساجلات رئيس الحكومة والأمين العام
فى خطاب معلن حمل العديد من الرسائل، الثلاثاء الماضى، قال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله: إنه «آن أوان الانتهاء من تهديد المجموعات المسلحة فى الجرود». وبعبارات ربما تشى باعتزام «حزب الله» التدخل عسكريًا أو الضغط على الجيش اللبنانى كى يتدخل هو، تابع نصر الله: «هذه هى المرة الأخيرة التى سأتحدث فيها عن جرود عرسال، فالوقت قليل جدا للتوصل إلى تسويات أو مصالحات معينة، حيث ثبت أن هناك إرهابيين ومخططين لعمليات إرهابية مقبلة فى عرسال وربما تمتد إلى داخل لبنان، وهذا بات يحتاج حلًا».
مما دعا رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريرى، للرد على هذا الطرح العلنى المحرض محذرًا مما قال إنها: محاولات لزرع فتن وتوتر بين الجيش اللبنانى وقرابة مليون ونصف المليون لاجئ سورى داخل الأراضى اللبنانية. وعن تصور الحكومة اللبنانية من حسم الأمر عسكريًا فى عرسال، ذكر الحريرى الأربعاء الماضى: إن «القرار السياسى موجود، لكن هناك مدنيين فى عرسال، والإرهابيون يستعملونهم لحماية أنفسهم.. يبقى أن الجيش يملك قراره ويعرف نفسه حين يصبح مرتاحًا لحسم الأمر دون إلحاق أذى بالمدنيين».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف