الأهرام
محمد صابرين
الشرق الأوسط لم يخرج «من دائرة الخطر»
يبدو الشرق الأوسط أسيرا للماضى بكل قصصه الدامية، وأوهامه الكبيرة، وإصراره على أن يرى «الهزائم» مجرد «انكسارات عابرة»، وإذا كانت الشعوب تفضل أن تمزج «الحقائق المُرة» بقدر من «الأوهام المحلقة» كى تتحمل «الواقع الصعب»، أو ما بات يشير إليه البعض فى الغرب «بالحياة فى الجحيم» مثلما هو واقع الحال فى الدول التى أصيبت «بلعنة داعش وأخواتها»، وإذا كانت الأمم المتحدة تقول صراحة فى آخر تقرير لها إن غزة «لم تعد مكانا يصلح للحياة» بعد 10 سنوات من حكم حماس أو بالأحرى منذ استيلاء هذه الجماعة ـ ممثل الإخوان والإسلام السياسى ـ على السلطة بالقوة، إذا كان ذلك كله وغيره صحيحا، فإن السؤال الذى يفرض نفسه: ترى هل زال الخطر عن المنطقة، وهل تمكنت الإجابات المختلفة من مواجهة تحديات سيناريوهات «الفوضى الخلاقة»؟، وأحسب أن الأمانة تقتضى القول بوضوح «للأسف لا»!، لأن معظم ما جرى كان محاولة لمواجهة «التهديدات الأمنية»، وإنقاذ «ما تبقى من مؤسسات» الدولة الوطنية، والتصدى لجهد كبير وأجندة قوى متطرفة مربوطة «بقوى خارجية» لهدم كل النظم والهياكل والشخوص القديمة لصالح «مشروع تقسيم المقسم»، إلا أن الأرضية التى جرى فوقها الصراع كانت هى ذاتها تصرخ بعدم قدرتها على تحمل فشل مؤسسات الدولة القديمة

ـ . ـ ولعل النقطة الأبرز فى السنوات المقبلة سوف تتعلق بكشف أسرار وخبايا هذه الجماعات الإرهابية، وعلاقات جماعات الإسلام السياسى المشبوهة، وذلك التناقض ما بين شعارات «على القدس رايحين بالملايين»، وذلك الارتباط الوثيق ما بين جماعات داعش وإسرائيل، بل أن الأمم المتحدة تتحدث بقلق عن تزايد علاقات إسرائيل بهذه المجموعات الإرهابية، وفى المقابل فإن القاعدة وأخواتها التى تهاجم إيران والشيعة الروافض، لم يمنعها ذلك من علاقات سرية وعلنية!، ويقول لنا الكاتب المصرى طارق عثمان: «إذا كان مشروع داعش حتما سوف يفشل، فإن جماعات أخرى مسلحة (بعضها سوف يخرج من العباءة ذاتها) ستمثل ضغطا مستمرا على دول المنطقة، وأن الحدود الرئيسية التى صاغت شرق المتوسط فى المائة سنة الماضية هى فى طريقها للزوال».

وأحسب أن القوى غير العربية بمشروعاتها سواء «العثمانية الجديدة» لتركيا أردوغان، أو «الفارسية الجديدة» الحالمة بدور «شرطى المنطقة»، وقيادة الشيعة للعالم الإسلامى تحت لواء «الولى الفقيه» تحاول ما استطاعت أن تصل إلى غاياتها، وفى المقابل فإن القوى الغربية وبالتحالف مع إسرائيل ماضية فى العبث بتفجير «الصراعات الطائفية»، والصراعات العرقية داخل الوطن العربى.. وهنا فإن الدول العربية لم تستيقظ بعد من هول صدمة «هشاشة العظام العربى»، وفشل مؤسسات الدولة الوطنية من جراء عدم الكفاءة والفساد والترهل وسيطرة البيروقراطية، وغياب الدولة الذى كان لابد أن يتقدم أحد ليسد «فراغ الغياب»، وللأسف تقدمت «قوى الظلام» لتملأ فراغ دول تشظت، وسرعان ما تحولت من حالة «الدولة الرخوة» إلى «الدولة الفاشلة».. وأحسب أن الذين يتخيلون بأن الأمر يمكن أن يتم حسمه فى ساحات المعارك ـ ويبدو هذا صعبا ـ أو «ببوليصة تأمين» أجنبية ـ أمريكية أو بريطانية ـ هم فى الأغلب »واهمون«، لأن الأزمة فى أحد تجلياتها أمنية، ولكن فى صلبها أبعد من ذلك وتتعلق «بالهوية» و«المواطنة» والصراع على «روح العصر»، والرغبة فى الانتماء للمستقبل والتأثير فيه، والإحساس الطاغى بالرغبة فى التخلص من دور الضحية والتابع و«المفعول به» من قوى الأقليم والقوى الاستعمارية القديمة الجديدة.. إنها باختصار صرخة من أجل «الكرامة الوطنية» فى عالم لا يرحم الضعفاء ولا يخاف سوى الأقوياء!.

والنقطة الثانية بشأن المستقبل تتعلق بذلك الصراع العلنى مع دولة قطر ومن يقف معها وخلفها فيما يتعلق بمشروع «الفوضى الخلاقة» و تغيير النظم الذى دشنته كوندليزا رايس.. والآن مع تكشف الحقائق المفزعة، واعتراف حمد بن جاسم عراب الخراب والدمار بأن كل ما حدث كان بالتنسيق وبطلب من الولايات المتحدة، وفى ذات الوقت اعتراف وزير خارجية قطر أمام تشاتم هاوس بأن بلاده لم تدع يوما أنها ديمقراطية، أو تبحث عن ذلك.. إلا أن الغرب المراوغ رغم اعتراف الرجل بأن «قطر من أقل الدول دعما للإرهاب» يصر على الإدعاء بأن قناة الجزيرة هى فى خضم معركة حرية التعبير، وليست أحد أهم أدوات الفوضى الخلاقة، والتحريض على العنف، والاقتتال المذهبى والطائفى،

وفى الوقت الذى تبدو فيه داعش تنهار وتتراجع سيطرتها على الأرض، ويأمل الكثيرون فى نهاية الصراع المأساوى فى سوريا، والوصول إلى حلول فى اليمن وليبيا.. إلا أن الحقائق على الأرض تقول إننا لم نزل بعيدين عن استعادة أوضاع ما قبل «الربيع العربى»، وأن تكلفة إعادة بناء ما تهدم لن تقل عن تريليونات الدولارات، إلا أن البعض ومنهم طارق عثمان يرصد 4 تحديات فى مقالة بعنوان «خطة مارشال غربية للمنطقة العربية»، نشرها موقع «قنطرة» الألمانى، ويرى عثمان التحديات كالتالى: أولا: انهيار نظام ما بعد الامبراطورية العثمانية ـ القائم على القومية العربية العلمانية فى سوريا والعراق، وثانيا: انفجار شبابى فى مصر والجزائر والمغرب البلدان الأكثر هدوءا ـ نتاج لأنظمة تعليمية فاشلة، ثالثا شبه الجزيرة العربية.. المزيد من الصدمات السياسية، ورابعا إيران وتركيا.. تراجع فيما حققه الإسلام السياسى!.

ويبقى أن جوهر الأزمة فى الشرق الأوسط تكمن فى المسافة ما بين «الرغبة والقدرة»، و«الواقع والطموح»، وغياب «المشروع الأكثر حداثة»، وشكاوى من عدم تطبيق «المواطنة» بما لها وما عليها على أرض الواقع، إلا أن التحدى الاقتصادى العاجل يكمن مثلما قال لى كلاوس شواب رئيس المنتدى الاقتصادى العالمى فى حوار قديم معه «بصرورة خلق 100 مليون فرصة عمل للشباب فى المنطقة، وللأمانة كان ذلك قبل أحداث الربيع العربى، وأحسب أن الدراسات الغربية والكتابات العربية ـ ومن بينها تقرير التنمية البشرية العربية ـ يشير إلى أن «الأزمة الاقتصادية» هى جوهر الأمر كله، وعلى الذين تصوروا أن هذه الأزمة يمكن ترحيلها أو بأن الخليج وأوروبا يمكنهما أن يسهما فى تخفيف أو امتصاص الأزمة.. عليهم أن يعيدوا التفكير مرتين: فالشرق الأوسط لم يخرج من دائرة الخطر بعد؟!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف