الأهرام
هانى عسل
لا تحزن
لا تحزن .. فلم تكذب، ولم تخدع، ولم تغدر، وإنما من كذب وخدع وغدر هو من وعدك بالصبر والجلد وبتحمل الصعاب، ثم «خلع»، وباع القضية عند أول ناصية، وذرف الدمع مع أول أزمة، وارتعد مع دوى أول قنبلة!

لا تحزن .. فلم تجامل، ولم تجمل، ولم تصنع لنا «من البحر طحينة»، فقد حذرت من اليوم الأول من أن المهمة صعبة، وصعبة جدا، وقلت إن التنازلات مطلوبة، وقد تكون مؤلمة، وعلينا أن نتحملها «معا»، ولكنهم وقت الجد، وضعوا ساقا على ساق، وبدأوا يصرخون ويلطمون ويولولون، وكأنهم جاءوا من النرويج، وتعاملوا معك بطريقة «إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون».

لا تحزن .. فلم تتهاون، ولم تهادن، ولم تدفن رأسك فى الرمال كمن سبقوك، ويتمسحون الآن بأسمائهم وعصورهم الزاهية، وإنما «شلت الشيلة» بقوة وبجد، وواجهت، وتصديت، ووضعت يدك، بل وجسدك كله، داخل أعشاش الدبابير، والديناصورات أيضا، بشجاعة تحسد عليها، أما من تهاون وهادن ودفن رأسه فى الرمال بحق، فهو من عطل وعرقل وأشهر فى وجهك شعارات من عينة «ليس الآن»، و«خط أحمر»، و«التوقيت غير مناسب».

لا تحزن.. فلم تخن ولم تبع ولم تفرط، وإنما من اتهمك بهذه الاتهامات هم مرضى «التلبك الثوري» الذين رأيناهم بأمهات أعيننا من قبل يخونون ويبيعون ويفرطون ويحرقون ويخربون ويدمرون ويقطعون الأرزاق ويثيرون الفتن بأفواههم وألسنتهم و«أصابعهم»!

لا تحزن .. فلم تحارب إلا فاسدا أو مجرما أو قاطع طريق، ويكفيك شرفا أن هؤلاء هم ألد خصومك، هم ومن ساروا على نهجهم، وتحدث بكلامهم، ممن يتقمصون أدوار الزعامة والبطولة والعالمين ببواطن الأمور، رغم أنهم فى حقيقة الأمر غير قادرين على إدارة شئون كيلومتر مربع واحد!

لا تحزن، فمن تحكمهم الآن ليسوا الألمان الذين تجرعوا مرارة الهزيمة والانفصال بعد الحرب ليبنوا دولة قوية، ولا اليابانيين الذين أكلوا أوراق الشجر لسنوات من شدة الفقر بعد الضرب «ـبالنووي»، ولا الكوريين الذين أكلوا لحوم الكلاب هربا من المجاعة إبان الحرب الكورية، ولا الصينيين الذين أكلوا كل شيء بين السماء والأرض ليجعلوا بلدهم صاحب ثانى أقوى اقتصاد فى العالم، ومع ذلك، تقول دائما إن «الأمل موجود»، و«ربنا كبير»!

لا تحزن، ففينا من يكره الوطن بحق ويسعى لإيذائه ثم يتاجر الآن بآلامه، وفينا أيضا من يفكر فقط فى بطنه وفى مصالحه : من يدعى الفقر ليسرق دعما لا يستحقه ويستاء من مرتبات الجيش والشرطة، من يكسر إشارات المرور، من يلقى القمامة من شرفات المنازل ومن نوافذ السيارات، من يسرق الأرض للبناء عليها، من يحتل الرصيف والشارع لوضع بضاعته، من يفتح درج مكتبه ليتلقى أموال الرشوة، ومن يسرق الكهرباء ليضع «فرشته» ويبيع السلع المضروبة والمهربة، من يكسر «عداد» سيارته الأجرة لابتزاز زبائنه، من يتقاضى راتبا من الأوقاف ويخجل من الدعاء فى مسجده بالنصر الإرهاب، وكأنه على الحياد بين الوطن والإرهاب!

لا تحزن .. فكل خطوة للأمام فى ظل هذه الظروف ومع هذه النوعية من البشر تمثل إنجازا، بل «معجزة»!

لا تحزن .. فما زال من بيننا من يصر على حب الوطن «بجد»، حتى وإن اتهمه «الأراجوزات» بالنفاق والتطبيل!

لا تحزن .. فما زال من بيننا من لا يقوده تويتر والفيسبوك كالقطيع، ومن لا توجهه «اللجان» الإليكترونية كالأطرش فى الزفة، ويعيش على معلومات مصدرها «قالوا» و«بيقولك»!

لا تحزن .. فما زال من بيننا من يثق فى أن المشروعات الكبرى ليست «فنكوشا»، ولا «بعزقة فلوس»، فليست مشكلتنا أن بعضنا لا يقرأ، والبعض الآخر يستلذ الكذب، وليس ذنبنا أن بعضنا يتحمل مشقة ومصاريف تشطيب شقته أو تجديدها، ولا يصبر على تجديد وطن بأكمله!

لا تحزن .. فما زال من بيننا من يؤمن مثلك بأن لتر البنزين ليس بأغلى من لتر دم الشهيد، وأنين الغلابة ليس بأثمن من بكاء أم فقدت ابنها وهو يدافع عن وطن يختزله البعض فى علبة سجائر أو كيس سكر!

..إحزن فقط إذا صرنا إلى ما صار إليه جيراننا، وتحول رجالنا إلى ميليشيات، ونساؤنا إلى سبايا، وشبابنا إلى لاجئين، وأطفالنا إلى حملة جراكن فى انتظار قطرة ماء، أو وجبة غذائية من منظمة دولية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف