الوطن
محمد صلاح البدرى
برجوان.. صاحب الحارة
ربما كان السبب الرئيسى الذى جعل حكم الخلافة الفاطمية فى مصر مفعماً بالمشكلات والصراعات هو مذهبهم الشيعى الإسماعيلى.. فقد كان المذهب الشيعى يفترض أن الخليفة هو الإمام.. وأنه يورث الإمامة لولده.. مما جعل الكثير من خلفاء الفاطميين يتولون الحكم وهم أطفال لم يبلغوا العاشرة بعد.

لذا فقد كان الجمع بين السلطة السياسية والدينية فى شخص الإمام الخليفة سبباً مباشراً لاضطرابات كثيرة.. ومحاولات كثيرة للسيطرة على الخليفة «الطفل» من شخصيات حوله.. وهنا ينبغى أن نذكر القصة الأشهر.. قصة كبير الخدم.. الذى حكم مصر يوماً ما.. قصة برجوان.. صاحب الحارة الشهيرة..!

إنه أبوالفتوح برجوان.. الخادم الأرمينى الذى تربّى ونشأ فى بلاط الخليفة العزيز بالله الفاطمى.. حتى توفى وترك الخلافة لابنه الحاكم بأمر الله.. وكان لم يبلغ السابعة بعد.. ويُحكى أنه منذ أن مرض العزيز بالله مرض الموت، وهو يُخطط للسيطرة على ولده وعلى مقاليد الحكم فى مصر.. فما كان أن توفى الخليفة حتى هرع بالعمامة إلى ولده، وكان يلهو بجوار الأشجار فى قصر أبيه.. فألبسه العمامة، وقال له: طال عمرك يا إمام المسلمين. كان «برجوان» يتسم بالذكاء الشديد.. فبدأ خطته بالسيطرة على الخليفة وعلى مقاليد الأمور فى مصر كلها.. فبدأ فى نقل أوامره إلى القادة والوزراء، على أنها أوامر الخليفة الصغير.. وبدأ فى وضع رجاله فى مفاصل الدولة، للتمكن من كل التفاصيل. ويذكر المؤرخون أنه كان يشترى لنفسه الكثير من المنازل والقصور.. وكان يقابل أصحاب المصالح والمظالم فى بيته، لا فى القصر.. فكان الواسطة بين الخليفة والناس. وترقّت أحوال «برجوان» إلى أن بلغ النهاية، فتوقف عن الخدمة، وتشاغل بملذاته، وأقبل على سماع الغناء، وأكثر من الطرب، وكان شديد المحبّة فى الغناء، فكان المغنّون من الرجال والنساء يحضرون إلى داره، فيكون معهم كأحدهم، ثمّ يجلس فى داره حتى ينقضى النهار، ويتجمع أهل الدولة على بابه فيخرج راكباً.. ويمضى إلى القصر، فيتخذ قرارات دون مشاورة من أحد!

واستمر الأمر على ما هو عليه بهذا الشكل سنوات طويلة.. لكن «برجوان» لم يُدرك أن الخليفة الطفل صار مراهقاً يافعاً.. فأدرك الحاكم بأمر الله خطر «برجوان» على حكمه.. فدبّر له مؤامرة لقتله.. وقتله فى القصر بواسطة أحد الخدم.. فمات.. وقيل إنه حين مات وُجد فى داره من الكنوز والملابس والفرش والآلات والكتب والطرائف ما لا يُحصى لكثرته.!

لقد مات أبوالفتوح برجوان فى عام ٣٩٠ هجرية.. بعد أن ترك اسمه على أشهر حارات مصر الفاطمية.. ودون أن يترك من سيرته شيئاً.. حتى نسى الناس من هو أبوالفتوح برجوان.. وبقى «برجوان».. صاحب الحارة!!

وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف