الجمهورية
د. أحمد دراج
التمييز الاجتماعي وجذور العنصرية
وقفت مصر مستنفرة علي أطراف أصابع قدميها عقب التصريح العنصري الصادر عن السيد وزير العدل الذي قال فيه ب "عدم أحقية ابن الزبَّال في العمل بالقضاء" ورغم أن الشعب المصري يدرك هذه الحقيقة الماثلة بلحمها ودمها في معظم الوزارات خاصة وزارات الداخلية والدفاع والقضاء ظل الرأي العام مستنفراً ومحتقناً علي صفحات التواصل الاجتماعي تحت ركام الغضب الذي تصدره هاشتاج بعنوان "الشعب يريد تعيين ابن عامل النظافة قاضياً" علي تويتر وبصحبته علي الفيسبوك دعوة للوقوف بالمقشات أمام وزارة العدل وتنظيف محيطها ودعوة ثالثة تطالب بصنع مراكب ورقية من مادة العدالة والمساواة في الدستور الجديد وإلقائها في النيل وصنع طائرات ورقية تحلق في الهواء تعبيراً عن سخط عام وتهكم من دستور لا شك أن مراكز صنع القرار قد استشعرت خطورته واستبقت رد فعله. فهل تسلم الجرة في كل مرة؟.
مصر تغيرت بالفعل وهي مستمرة في التغيير الذي تتصدي له القوي الجديدة في أوساط الشبيبة الفاعلة في الخلايا الصامتة لحزب الكنبة ومن لا يصدق سيصاب بالصدمة مثل صدمة يناير 2011. وكل من يظن أن دعوات التغيير للأفضل وتحقيق العدل الاجتماعي قد أصيبت بالسكتة الدماغية إثر تقدم وزير العدل باستقالته من منصبه واهم تمكن منه الوهم المرضي. ومن يظن أن الهدوء قد عاد إلي الشارع المصري وإلي شبكات التواصل الاجتماعي في سلوك اجتماعي غريب تحت مخدر الاستقالة لم يحسن قراءة المشهد في أعماقه. فالمشهد الذي يفسره البعض بأنها فورة ما لبثت أن انطفأت جذوتها لم يستوعب التحولات الاجتماعية والثقافية التي تتخلق في أحشاء التجمعات الشبابية الحية القادمة من مثاقفة العوالم الجديدة في مشارق الأرض ومغاربها. ونحن بين مغيب غير مصدق وواهم سيقتله وهمه. ومن ثم نتساءل: تري لماذا استجابت مؤسسة الحكم للغضبة الشعبية بهذه السرعة؟ وهل يعبر هذا عن تغيير حقيقي في آليات تفكير مؤسسة الحكم وصناعة القرار؟ أم انها مجرد مصادفة لاستبصار عوامل احتقان المجتمع الجديد؟ ولماذا تفاعلت تلك القضية بتلك السرعة العجيبة في الأوساط الشعبية؟ ومن أين جاء كل هذا المدد لقضية هي صلب قضايا العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص؟ وما علاقة تلك الواقعة بالحكم القضائي الذي صدر قبلها بأربع وعشرين ساعة ضد مبدأ التمييز واعتباره جريمة دستورية؟ وهل كانت ردة فعل بسبب أبناء الزبَّالين وحدهم أم كانت تعبيراً عن رفض استمرار الظلم الاجتماعي لأبناء الفلاحين والعمال والبسطاء؟ لأنها مست كبرياء ثورة يناير التي رفضت الظلم الاجتماعي مازالت تراوح في مكانها أو تتراجع القهقري بعد 30 يونيه؟ وما الذي تغيَّر حتي هدأت ثورة الرأي العام وغضبة الوعي الجمعي الجديد؟ وهل هدأت فعلاً تلك العاصفة مؤقتاً أم مازالت بذورها تتفاعل في أعماق الوعي! ربما.. ولكن الحقيقة التي لم تغب أن المشكلة مازالت باقية وتستمر عناصر إحيائها من رفض المجلس الأعلي للقضاء تعيين 138 شاباً من المتفوقين في كليات الحقوق والشريعة بعد صدور قرار تعيينهم من المجلس الأعلي للقضاء بسبب مبدأ التمييز العنصري المسمي ب "اللياقة الاجتماعية".
إن ما جري خلال الأيام الماضية لا يمكن تفسيره بمعزل عن ملمحين جديرين بالتدقيق والملاحظة أولهما: اضطراب الوعي الجمعي وعدم قدرته علي الفصل بين الهدف والوسيلة. فيستخدم كوسيلة للوصول إلي الهدف. ثم تتبدي له الوسيلة كهدف فيتوقف عن مواصلة السير نحو تحقيق الهدف وهو ما حدث بعد خلع مبارك في 11 فبراير 2011 ثم تكرر فيما بعد. والملمح الثاني: هو نمو رغبة قوية داخل العقل الجمعي لتجذير قيم العدالة الاجتماعية عبرت عنها صور الزعيم الخالد عبدالناصر. هذان الملمحان سيحددان في المستقبل القريب أحد الطريقين: إما قدرة الشعب علي الصعود وتجاوز محنة التوقف في منتصف الطريق قبل الوصول إلي الهدف الاستراتيجي وهو تغيير أحوال الوطن إلي الأفضل وإما الوقوع لا قدر الله في مستنقع استنساخ الماضي البائس بمساحيق جديدة تحت ضغط الاستسلام لقاعدة العادة وجبروت منظومة الفساد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف