الوفد
د. مصطفى عبد الرازق
أين الـ1.5 مليون فدان؟
يبدو أننا نعمل فى جزء منعزلة، أو هذا هو على الأقل ما توحى به المواقف المختلفة بشأن حجم المساحات الواجب أو المستهدف استزراعها سواء على لسان الخبراء أو المسئولين. ففى خبر نشرته جريدة الأهرام منذ يومين حول ندوة للمشروعات القومية الجديدة وتوفير فرص عمل للشباب بدمنهور، أشار المحاضر الدكتور على الشرنوبى أستاذ الاقتصادي بجامعة الإسكندرية إلى الحاجة لاستصلاح نحو 20 ألف فدان سنويا لمواجهة الكثافة السكانية. والرقم الذى قدمه بالغ التواضع مقارنة بالرقم الذى تستهدفه المشروعات القومية موضوع الندوة حيث يقدر المستهدف بنحو أربعة ملايين فدان منها نحو 1.5 مليون فدان خلال فترة قصيرة. تبدو الصورة مربكة ومحيرة عندما تقرأ الأهرام أيضا ولكن «الزراعي» حيث نشرت المجلة تصريحا للدكتور محمود أبو زيد وزير الرى الأسبق يشير فيه إلى أن مصر ستشترى المياه قريبا، وأن تشغيل سد النهضة سيؤدى إلى تبوير 5 ملايين فدان.
تزداد حيرتك وعدم وضوح الصورة عندما تقرأ تصريحا لأحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال محاضرة له فى تونس منذ أيام أشار خلاله إلى أن مصر ستفقد 35 مليار متر مكعب من حصتها السنوية من مياه النيل، حال قررت إثيوبيا ملء خزان سد النهضة فى 3 سنوات وأنه إذا امتدت مدة ملء السد لـ10 سنوات فإن مصر ستفقد مليارى متر مكعب من حصتها البالغة 55 مليار متر مكعب سنويًا. معنى ذلك فى التحليل النهائى أن المستهدف من الزراعة فى كل الأحوال قد يؤول إلى النقصان بالسالب.
هل كنا متفائلين عندما وضعنا خططا لاستصلاح 4 ملايين فدان؟ ليس التفاؤل عيبا، ولكن يجب أن يواكبه التخطيط الجيد، ومن الواضح أن المشكلة التى يمكن أن تعيق نجاح التجربة – سواء 4 ملايين او غيرها – هو مثل هذا التخطيط، وقد يكون على رأس هذه الأسباب وفق رأى العديد من الخبراء هو المياه، والتى يبدو أنه كان مبالغا فى حجمها حيث تشير بعض الروايات المتعلقة بالموضوع إلى أن الدكتور فاروق الباز، الذى اعتمدت على تقديراته خطة استزراع الأربعة ملايين فدان كان يقدر حجم المساحة الممكن استزراعها بنحو 6 ملايين فدان وهو ما يبدو الأمر الذى ارتكز عليه الرئيس السيسى فى الحوار الذى أجراه معه الإذاعى أسامة كمال حين أكد توافر المياه اللازمة لاستزراع المساحة المستهدفة.
وبعد نحو أكثر من ست شهور من الإعلان عن إطلاق مشروع المليون ونصف مليون فدان من الواضح أنه يتعثر على عقبة المياه اللازمة، حتى خرج أحد الخبراء هو الدكتور عبد الغنى الجندى، أحد أعضاء المجموعة الاستشارية المسئولة عن مشروع المليون ونصف المليون ليكشف عن أن كمية المياه المتاحة لن تكفى سوى مساحة فى حدود 40% لـ 50% من المشروع، فى مراحلة الثلاثة أى بمعدل 800 ألف فدان.
ومع إشارة البعض إلى نفقات كبيرة تم توجيهها لتهيئة المجال للبدء فى تنفيذ المشروع خاصة على صعيد حفر الأبار، فقد راح الدكتور عبد الغنى يحذر من تكرار مأساة مشروع توشكى مطالبا شركة الريف المصرى المشرفة على المشروع بالاستعانة بالخبراء وما رآه تغيير كراسة الشروط لوجود بعض المعوقات بها تساهم فى احجام الشباب عن الإقبال على المشروع، ومنها ارتفاع تكلفة الفدان والتى تصل إلى نحو 45 ألف جنيه فضلا عن حاجة المياه إلى ما يصفه بالأكسدة ومراحل حتى تستخدم فى الزراعة.
وبعيدا عن هذه الجوانب الفنية، فإن ما يهم المواطن العادى، مثلى ومثلك، هو أن يلمس نجاح مثل هذه المشروعات الطموحة التى قد تخرجنا من أزمتنا وتفتح لنا أفاقا رحبة للتنمية، إذا ما كانت قائمة بحق، على أسس اقتصادية وتخطيطية سليمة.. وذلك هو المحك الحقيقى للحكم عليها!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف