الأهرام
د/ شوقى علام
الفكر المتطرف.. الأسباب والمنطلقات المصريون أمة واحدة
عاش المصريون (مسلمون ومسيحيون) على أرض مصر عبر التاريخ جنبًا إلى جنب؛ بيوتًا متجاورة ومصالح مشتركة وأهدافًا واحدة، متضامنين متحابين فى سبيل الوطن رخاءً وأمانًا حربًا وسلامًا حتى يئست منهم كل محاولات الوقيعة التى تتعمد نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار.

وهذه المحاولات الخبيثة تستهدف بعث الفتنة الطائفية بين جناحى الأمة المصرية، كان آخرها ذلك التفجير الأثيم لكل من كنيستى طنطا والإسكندرية، لكن مصيرها دائمًا كان هو الفشل والخسران؛ فلم تؤثر هذه المكائد فى وحدة المصريين شيئا، بل إن ذلك يزيدهم توحُّدًا على قلب رجل واحد، وإصرارا على مواصلة مسيرة البناء والتنمية.

ولا ريب، فإن المصريين تتجذر فى وجدانهم مفاهيم مبدأ المواطنة تنظيرًا وتطبيقًا فى القديم والحديث، وفى ذلك معالم حضارية زاهية دعا إليها الإسلام وجرى على مراعاتها المسلمون تشريعًا وممارسة عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التى دخلوا بها قلوب الناس، فالمواطنة رباط يقوم فى الإسلام على الالتزام والمسئولية أبدًا، لا على العاطفة والمشاعر المعنوية التى قد تزيد أحيانًا وتفتر أحيانًا أخرى.

إن مثل هذه الأفعال الإجرامية التى يرتكبها هؤلاء الإرهابيون القتلة هى من أعظم المنكرات وأشنع الظلم، ويستوى مع الفاعل فى جزائه كل من رضى أو أيد أو أظهر الشماتة أو الفرح أو التمس الأعذار وأوجد المبررات أو لوى الأدلة وحرفها عن مواضعها، ويقرر هذه المعانى الإمام القرافى رحمه الله تعالى بعبارات رشيقة جامعة فيقول فى كتابه (الفروق 3/ 14): «عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم فى جوارنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام؛ فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة فى عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك؛ فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام».

ولا يخفى أن التعبير بـ «عقد الذمة» فيه مراعاة للسياقات التاريخية وانتشار المصطلح ورواجه، وهو ما حلَّ مكانه فى عصرنا الحاضر مصطلح «المواطنة» الذى بات من المفاهيم الأصيلة فى البناء الدستورى والقانونى والاجتماعى فى نظام الدولة الحديثة.

نعم إن هذه المعانى واضحة ومقررة فى الإسلام أدلة ومناهج وحضارة وتراثًا، وهى معلومة لدى المسلمين شرقا وغربًا، فضلا عن أنها تمثل سمات الشخصية المصرية وهويتها بما حبى الله تعالى المصريين من مؤسسات علمية ودينية عريقة ذات قدم راسخة؛ تتمثل فى الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، لكن أصحاب الفكر المتطرف وأهل الإرهاب والإرجاف اتخذوا مرجعيات موازية بالإضافة إلى أنهم لا يقرأون، بل ينطلقون من الهوى والضلال حيث اقتطاع الأدلة والنصوص من سياقاتها، والابتعاد عن المناهج العلمية المنضبطة المتعارف عليها لدى الأمة سلفا وخلفا، وبذلك حادوا عن سبيل جمهور الأمة وتلبسوا بطريق الغواية والهوى.

وما يدعيه هؤلاء بما لديهم من فساد العقول وخراب القلوب واختلال الموازين سواء كان ذلك آتيا من جهة الجهل والغفلة أو من جهة العناد واتباع الهوى يُعد من أساليب المنحرفين الذين كشف الله تعالى لنا عن صفاتهم فى مواضع كثيرة، ومنها قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)[البقرة: 204- 206].

نقدم خالص العزاء لشركاء الوطن العزيز من أبناء هذا الشعب الواحد، ونؤكد أن أهل مصر قد جعلهم الله فى رباط الرحمة والمودة والتكاتف والتآلف إلى يوم القيامة ، ومن ثَمَّ فمصابهم واحد، وألمهم واحد، ودماؤهم الزكية التى سُفكت غدرًا وخيانةً واحدة، إنها لتزيد الأرض قوةً وصلابةً تحت أقدام المجاهدين من أبناء الشعب والجيش والشرطة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف