الأهرام
محمد ابو الفضل
احذروا جبهة إسرائيل
قل ما شئت عن إسرائيل وجرائمها بحق الشعوب العربية، لكن تصوراتها الأمنية على درجة من الدقة بما يثير الاستغراب، وتوحى بأن لديها معلومات عن أشياء لا تعلمها أجهزة أمنية فى دول كبيرة، وتملك قوة خشنة وناعمة للتعامل مع الإرهابيين وفلولهم بصورة نجحت فى تخفيف ضغوطهم عنها لفترة طويلة.


مناسبة هذا الكلام أن غالبية التحذيرات التى أصدرتها إسرائيل لرعاياها كانت صادقة تقريبا، وعدد من العمليات الإرهابية التى وقعت فى مصر سبقتها إنذارات لافتة منها، لكن يبدو أنها لم تؤخذ على محمل الجد، وربما لتنبيه الإرهابيين أن أمرهم أصبح مكشوفا، وعليهم التدثر بمزيد من التخفى وتغيير خططهم، لأن الصرخات المدوية التى تطلقها إسرائيل كانت مثيرة للانتباه.

لا أريد الخوض فى حديث المؤامرة، الحقيقى والزائف، بين إسرائيل والإرهابيين، لكن مطلوب الوقوف عند الدلالة التى تنطوى عليها التحذيرات المتكررة، والتغيير الحاصل فى أدبيات التنظيمات المتطرفة، التى ازداد سعارها بطريقة تدفعها إلى خرق أى محرمات سابقة، وفى مقدمتها عدم تجنب الاشتباك مع إسرائيل.

الإنذارات المبكرة هدفها الإيحاء بأن إسرائيل تملك رادارات وأجهزة رصد ومتابعة دقيقة تجعل الأجهزة الأمنية فيها مصدرا لفخر مواطنيها وقادرة على حمايتهم واختراق خصومهم فى المنطقة.

ولو أن هناك عمليات استثنائية نجحت المقاومة الفلسطينية فى تخطى الصعوبات التى تعتريها فهى فردية ولا تدل عن عجز أمني، الأمر الذى يفسر فى جانب منه تراجع عمليات المقاومة أخيرا، كما أن سقوط بضعة صواريخ للإرهابيين على مناطق فى إسرائيل لا يمثل دليلا كافيا لقدرة أصحابها على الاستمرار.

إسرائيل التى تدعى مكافحة الإرهاب فى المنطقة، تؤكد الكثير من سياساتها أنها من أكبر داعميه، وحصدت جملة مكاسب من وراء انتشاره، ولن تستريح للطريقة التى تقوم بها مصر للقضاء على الإرهابيين وكشف الخبايا والمطاردة فى الجحور.

وفى ظل تزايد الكلام عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية والبحث عن حل مناسب لها، تصبح حاجة إسرائيل لهؤلاء أكثر من ذى قبل، لأن عملية السلام المنتظرة قد تكون على حسابها، مع أن مؤشرات التسوية بعيدة حتى الآن عن تحقيق الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية المشروعة.

بالتالى فالارتباك الحاصل فى المشهد الإقليمي، واستمرار العمليات الإرهابية فى مصر، من العوامل التى تعتبر فى نظر إسرائيل مفيدة جدا، والتحذيرات الأمنية تأتى لذر الرماد فى العيون، وتوصيل رسالة تقول إن حكومة تل أبيب وأذرعها الأمنية متعاونة معلوماتيا مع الجيران، لوقف بورصة التكهنات التى تتهمها بالتحريض على الإرهاب.

الواضح أن هناك التزاما ضمنيا سابقا، بين تل أبيب والمتشددين الإسلاميين لتجميد العمليات التى تستهدفها، بذريعة أن مواجهة الحكومات العربية أولوية مقدمة على إسرائيل، والدليل اختفاء استهدافها فى غالبية خطاباتهم الإعلامية والسياسية.

هذه الصيغة قابلة لأن تتغير، وأرجو ألا يتسرع أحد ويتهمنى بعدم الدقة والابتعاد عن الموضوعية، فلدى كل طرف رؤى تدفعه الآن لتبديل تكتيكاته. إسرائيل تشعر بأن خطاب السلام يمكن أن يضيّق الخناق عليها، ووسائل التنصل من التجاوب معه تستنزف سبلها، وحماس ضبطت إيقاع الصواريخ أو أوقفتها، والمقاومة الفلسطينية عموما محاصرة سياسيا وأمنيا ولا تجد المجال الحيوى الذى يسمح لها بقدر يسير من استئنافها.

كما أن انكسار معسكر التصدى والمقاومة نزع من إسرائيل ورقة كانت تسمح لها بجر أطرافه إلى مناوشات أو معارك تمنحها فرصة للهروب إلى الأمام عند الحاجة، ناهيك عن الاستنكار الدولى الذى يُواجه به الاستيطان الإسرائيلى وردود الأفعال المنددة لهذه السياسة.

كلها عوامل جعلت تل أبيب تشعر بالقلق، وتخشى تكاتف بعض القوى عليها بحجة جرها إلى مفاوضات لا تضمن لها نهاية سعيدة وتحقق أهدافها كما جرت العادة من قبل، وربما تجد نفسها محاصرة بما يضطرها لتقديم تنازلات ترفضها حاليا ومستقبلا، لذلك فمواصلة التوتر على الجبهات التى يتغول فيها الإرهاب مدخل جيد لوقف الحديث عن مفاوضات وتسويات مجهولة.

مؤكد أنها لن تختلق الإرهاب الذى يقوم به الآخرون ولن تشجعه علنا، لكن لديها من الإمكانات ما يتيح لأصحابه وداعميه التمدد نحوها، وقد تقدم عمدا على ارتكاب أعمال تستفز الإرهابيين، لأنها تعلم أن رقصة الموت على وشك أن تنتهي، وسط ضربات قاسية متلاحقة تعرضوا لها فى كل من مصر والعراق وسوريا، ومرجح أن يغيروا وجهتهم ويجعلوا من إسرائيل أولوية تكتيكية الفترة المقبلة.

يعتمد الاستنتاج السابق على ثلاثة محددات، تمنحه منطقية أكبر وتجعل من تحقيقه عملية ليست بعيدة، لأنه أصبح الوسيلة المناسبة لاطالة أمد المعركة الراهنة.

الأول، تراجع الدعم الذى تتلقاه كثير من التنظيمات الإرهابية، فالدول التى وفرت وسائل الإمداد والتمويل والملاذ والإخفاء، والتوجيه لأغراض معينة، لم تعد قادرة على مواصلة هذا الدور، لافتضاح أمرها وعدم صمودها أمام العواصف القادمة على رماح مكافحة الإرهاب، وهو ما يدفع الإرهابيين إلى البحث عن جهة مثيرة لخلط الأوراق، ولن تكون هناك حلقة أشد إثارة من إسرائيل ولو عبر قنابلهم الصوتية.

الثاني، لم يعد للإرهابيين ومن يقفون خلفهم من جماعات سياسية فرصة للحياة بصورة طبيعية، فما ارتكبوه من عمليات إجرامية جعلت الصفح مسألة صعبة، والمصالحة مستحيلة، الأمر الذى يفرض عليهم إما التوبة والتراجع ومواجهة مصير مجهول يؤدى إلى موت بطيء، وإما العناد والمكابرة ومواجهة موت سريع، وعندما تتساوى الحياة مع الموت لا بد من البحث عن طوق مؤقت للنجاة، ولن يكون هناك أهم من إسرائيل، لارباك إجراءات أطراف محلية وإقليمية ودولية.

الثالث، رغبة إسرائيل فى الهروب من هجوم السلام المنتظر تدفعها للرد المستفز على الصواريخ التى تطلق عليها من حين لآخر من سيناء، وهو ما يخرج عن أى تحمل من قبل الحكومة المصرية، التى تلتزم بالسلام الظاهر مع إسرائيل، وتخوض معركة مع متشددين كل هدفهم إسقاط الدولة، التى تخوض جميع أجهزتها الوطنية معركة ضارية لدحرهم.

لذلك من الضرورى الانتباه وسرعة اتخاذ الإجراءات التى تكسر شوكة الإرهابيين تماما فى سيناء، وعدم السماح لأن تكون جبهة إسرائيل هدفا حاليا، لدرء التداعيات السلبية الناجمة عن تغيير القواعد التى تقوم عليها لعبة الإرهابيين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف