المصرى اليوم
كريمة كمال
مزيد من التزييف والإنكار
هل كان رد الفعل بحجم كارثية الحدث؟

ما جرى يوم الإثنين الأسود لا يدفع فقط للحزن ولا للغضب لكنه يشعر بفقدان الأمل فى إمكانية وجود مواجهة حقيقية حتى لا يتكرر الحدث المأساوى مرات أخرى كثيرة.. نفس ما جرى فى القديسين.. نفس ما جرى فى البطرسية.. نفس رد الفعل، بل نفس الأكاذيب للوصول إلى تزييف الحقيقة بالقول بأننا كلنا مسلمين ومسيحيين مستهدفون وليس المسيحيين هم المستهدفين وحدهم.. أذكركم أنه حتى بعد تهجير المسيحيين من العريش قيل نفس الخطاب وتردد على ألسنة الأبواق الإعلامية الموالية.. وكأننا نعيد نفس السيناريو، ما إن يتم تفجير الكنيسة الأولى وقبل تفجير الكنيسة الثانية نجد الكتائب الإلكترونية تخرج على الفيس بوك لتدعى تفكيك قنبلة أمام مسجد واكتشاف أخرى أمام مسجد آخر ليتبين لأى مدقق أو محقق أنه لا صحة لكل هذا وأن الهدف هو ترويج أن الكل مستهدف مسيحى ومسلم، وهو ما يشعر المسيحيين حقا بالمرارة، فليس هناك قدرة على الاعتراف بأن المسيحيين وحدهم هم المستهدفون، أما الضباط والجنود من الجيش والشرطة فهم لا يتم استهدافهم بصفتهم مدنيين بل يتم استهدافهم كطرف فى الصراع الدائر بين الجماعات الإرهابية ومؤسسات الدولة.

لسان حال الأقباط يقول متى يعترفون بأننا المستهدفون ليمكنهم التركيز على الأقل فى حمايتنا؟ ما جرى للأقباط فى العريش جرى فى سياق تهجير الأقباط من أراضى الدولة الإسلامية لتبقى إسلامية خالصة وما يجرى للأقباط من استهداف كنائسهم بالسيارات المفخخة ثم بالانتحاريين يجرى فى سياق القضاء على الكفار الذين يتم تكفيرهم ليل نهار من شيوخ السلفية واستعداء المؤمنين عليهم، ليصبح قتلهم هو الطريق المفروش بالحور العين إلى الجنة.. لا تريد الدولة أن تعترف باستهداف الأقباط وحدهم رغم توالى المذابح الواحدة تلو الأخرى فلو اعترفت الدولة لكان عليها التصدى لشيوخ السلفية هؤلاء، وهى لا تقدر على هذا أو لا تريد أن تفعل هذا.. مؤسسات الدولة تحرك دعاوى ازدراء الأديان ضد أطفال مسيحيين بل ضد مدرّسة مسيحية لم تفعل شيئا وضد أى مفكر يقول بما لا يتفق مع المتشددين لكنها لا تتحرك أبدا ضد شيوخ السلفية الذين يحرضون جهارا نهارا على قتل المسيحيين وعندما يتحرك من يؤمن بهذا الخطاب التحريضى ليفجر الأقباط، فإن كل ما تسعى له الدولة هو إنكار أن الأقباط هم وحدهم المستهدفون فماذا يفعل الإنكار والاستمرار فيه هل يمنع الانفجار القادم؟ ألف باء المواجهة الاعتراف بحقيقة ما وراءها لإمكانية التصدى لها.. الخطاب التحريضى ضد الأقباط يرسخ حتى داخل مؤسسات الدولة التى مهمتها بالأساس حمايتهم إذا ما تم الاعتراف بأنهم وحدهم هم المستهدفون.. الصورة تبدو واضحة جلية مكتوبة بالدم.

الصورة تبدو واضحة جلية مكتوبة بالدم فلا تزيدوا من معاناة الأقباط بمحاولة تزييفها، والأسوأ من التزييف حقا هو محاولة استخدام كل هذه الدماء لمصلحة النظام السياسى بادعاء أن السبب وراء التفجير هو نجاح زيارة الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية على طريقة «كايدا العزال أنا من يومى». ألا يستحى كل هؤلاء من كل هذه الدماء ويكتفون حتى بالصمت؟ محاولة التجييش بأننا إزاء مؤامرة وأن مصر هى المستهدفة واستخدام مثل هذا الخطاب التعبوى وإطلاق الأبواق الإعلامية الموالية بعد أن اختفت كل الأصوات الإعلامية التى كانت تؤكد أهمية مواجهة الفكر وأن المواجهة الأمنية وحدها لن تفلح، بل سوف نسير فى نفس الطريق الذى سرنا فيه السنوات القليلة الماضية لنفيق على الكارثة والدماء والدموع ودوران إله الكذب والتزييف مرة أخرى.

لا تبالغوا فى تقدير ثبات الأقباط وفرحهم وزغاريدهم وهم يزفون شهداء وراء شهداء.. هذا إيمان حقيقى نعم لكنه استسلام للشهادة أيضا، بما يعنى شعورا بأنهم غير محميين وأنه لم يتبقّ لهم سوى أن يزفوا إلى السماء وأن عصر الشهداء قد عاد.. تستطيعون الادعاء كذبا بأن الأقباط ليسوا مستهدفين وحدهم لكنهم يعلمون الحقيقة ويواجهونها فى كل تفجير لتستقر قناعتهم بأنهم قد صاروا كبش الفداء، ومع توالى التفجيرات لا يبقى لديهم أى يقين فى المواطنة، بل يبقى يقين واحد هو أن يلوذوا بإيمانهم وحده.

نحن أمام عدو واحد.. نعم لكن هل نواجهه حقا أم أننا نترك له المجال مفتوحا على مصراعيه ليكفر ويحلل دماء الأقباط، وعندما تسيل الدماء وتتطاير الأشلاء نلوذ بالخطاب التعبوى ولا نمد يدا لكل من شحن الانتحارى بالمتفجرات فى رأسه قبل أن يشحنها فى جسده، بل نطارد كل من قال «واجهوا الفكر» ونعتبر الإعلام مسؤولا، لأنه ينشر ويذيع ما جرى وكأن الإعلام هو من فجر وليس من ترك أصحاب هذا الفكر يرتعون دون أن تمتد لهم يد، هم حقا المسؤولون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف