الأهرام
جمال عبد الناصر
احذروا الدماء
أمن الوطن مسئولية الجميع كبيرا وصغيرا رئيسا ومرؤوسين مسلمين وغير مسلمين، ولم يكن الإسلام أبدا متشوقا لإراقة الدماء بل سعى إلى حقن الدماء حتى مع غير المسلمين ولم يحارب إلا المحاربين المعتدين، أما من لم يعتدوا وحفظوا جوار المسلمين فقد حافظ الإسلام على دمائهم وحرماتهم، وما يحاك لبلادنا هو مؤامرة تريد النيل من وحدة هذا الوطن وتريد أن تعزف على وتر العصبية الدينية.
فلا بد لنا أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ" وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار. وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك، ومظالم العباد. ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد.

فإلى من طوعت لهم أنفسهم التحريض على القتل أو التخريب تحت أي مسمى، ماذا أنتم فاعلون أمام الله تعالى وقد رأيتم النصوص الشرعية تحذر من القتل والتخريب، فلنفق ولا داعي للعصبية ولنعد إلى الله وليضع كل منا يده في يد أخيه كي نصلح بلادنا، ولا نسمع لهذا أو ذاك، فالأعداء كثر يريدون لمصر أن تتفرق وأن تتراجع فهل يحق لأبنائها أن يعاونوهم على ذلك؟!

أخي المواطن إياك إياك أن تقع في دماء المسلمين أو غير المسلمين؛ فإنَّ المعلوم من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة، حُرمة دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كَفَرَ بعدَ إسلامهِ، أو زَنَى بعد إحصانهِ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس"، وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع. وفي ذلك يقول الرسول صلى الله

عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" [النسائي]، وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم، ثم تذكر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام، نسأل الله السلامة.

ومما لا بد من علمه أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [ النساء: 93 ]، قال الصحابي الجليل وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال: أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟ قال: جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً، قال: أُنزِلتْ في آخر ما نزل، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول: يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني؟" [أحمد]،

وكذلك دم غير المسلم من أهل الذمة معصوم أيضًا أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وكذلك إحسان جوراهم وعدم الاعتداء عليهم ما داموا لم يحاربونا في ديننا.

فلا بد لنا أن نعلم أن الدم كله حرام، سواء كان دم جنود الجيش أو الشرطة أو أي مواطن مصري مسلمًا كان أو غير مسلم، فالقتل ليس هو الحل بل إنه يؤجج الخلافات ويؤدي إلى خراب البلاد ونعوذ بالله من الفتن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف