المساء
محى السمرى
عندما طلبت أمريكا شراء آثار النوبة
فوجئ وزير الثقافة بطلب غريب من السفير الأمريكي عند زيارته له وكان برفقته مدير متحف مترو بوليتان بنيويورك.. قال السفير: سيادة الوزير جئنا لنشتري أحد معابد منطقة النوبة.. كان هذا الطلب غريباً بالفعل.. ومفاجأة شديدة أيضاً.. وسكت الدكتور ثروت عكاشة وكان هو وزير الثقافة في ذلك الوقت.. وطلب من السفير توضيح ما طلبه. فكرر السفير طلبه قائلاً: نحن نريد شراء معبد أو اثنين من معابد النوبة أو أكثر إذا أمكن لوضعهم في متحف المترو بوليتان لأن هذه المعابد محكوم عليها بالغرق عند بناء السد العالي.. دار هذا الحوار في شهر نوفمبر عام 1958 حيث كانت هذه المعابد محكوما عليها بالغرق عند إنشاء السد العالي.. وقال الدكتور ثروت: هل يمكن أن يكون تراث اسلافنا مما يباع ويشتري.. وكان جديراً بمتحف المترو بوليتان أن يبادر بالعون والمساعدة في إنقاذ هذا التراث الإنساني بدلاً من التفكير في شرائه؟!
ورغم ما كان في هذا الطلب من تأثير معنوي سييء إلا انه أضاء الفكر للبحث عن وسيلة لإنقاذ هذه الآثار من الغرق.. وقد تحقق ذلك فعلاً.
المهم ان هذه الحكاية دارت أحداثها وكانت العلاقات المصرية ـ الأمريكية تتقاذفها الأمواج العاتية فتقلبها تارة وتعدلها تارة أخري خصوصا وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رافضاً لكل طلبات الولايات المتحدة.. لأنها كانت في تقديره تضيف نوعا من السيطرة علي مصر من جميع الوجوه.
وبدأت الأجواء تتكهرب بعد حضور عبدالناصر مؤتمر باندونج في عام 1955 وانتهاجه سياسة الحياد الإيجابي ثم كسره لاحتكار السلاح بعد أن رفضت أمريكا تمويله بالسلاح في الوقت الذي قدمت لإسرائيل مزيدا من الأسلحة المتطورة والمساعدات الاقتصادية.. ورد عبدالناصر علي التصرفات الأمريكية بأن اتجه إلي الكتلة الشرقية التي كانت تمثل العدو الأول لأمريكا.. وهنا قررت مؤسسة دالاس وزير الخارجية سحب تمويل مشروع بناء السد العالي.. وفي الحال رد عبدالناصر علي ذلك بتأميم قناة السويس.. وردت دول الغرب ممثلة في بريطانيا وفرنسا بمساعدة اسرائيل وقامت بالاعتداء علي مصر.. وفي الواقع فإن أمريكا لم تيأس من عبدالناصر حتي ذلك الوقت فلعبت دوراً مهماً لاحتواء الحرب التي دارت مع مصر وأرغمت الدول الثلاث المعتدين علي الانسحاب.. وفي مقابل ذلك أعلن أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة اقتراحا جديدا يحمل اسم "مبدأ أيزنهاور" ورأي عبدالناصر في هذه المنظومة انها نوع من التحالف الاستعماري يستهدف ايجاد شكل جديد للدفاع عن الشرق الأوسط بحجة ملء الفراغ الذي أحدثه خروج بريطانيا من المنطقة وأعلن عبدالناصر رفضه لهذا المشروع وعمل علي افشاله بتدعيم الدفاع العربي الجماعي وهكذا لم يعد هناك أمل في توازن العلاقات المصرية ـ الأمريكية خصوصاً ما كان من إجراءات طبقها عبدالناصر لتدعيم المذهب الاشتراكي الذي تبناه من خلال تمصير الشراكات الأجنبية وتأميم معظم الأنشطة الاقتصادية مما يتعارض مع النظام الرأسمالي الأمريكي.
والحقيقة انه بعد رفض مشروع ايزنهاور ثم قيام الوحدة بين مصر وسوريا أخذت العلاقات تزداد سوءا عاما بعد عام.. وفي ظل تعاقب عدد من الرؤساء الأمريكيين حتي عام 1974 أي بعد حرب 6 أكتوبر.. وأحكمت أمريكا الحصار علي مصر بصورة سيئة للغاية خصوصا ان أمريكا ساعدت اسرائيل أثناء حرب 1967 واستولت علي سيناء بالكامل وبالتالي تعرضت مصر لخسائر اقتصادية رهيبة نتيجة لاحتلال اسرائيل لسيناء وسيطرت علي الثروات التعدينية والبترولية بالإضافة إلي تكاليف إعادة بناء القوات المسلحة وحرب الاستنزاف.. المهم ان الشعب المصري كان يعاني كثيراً من اقتصاد متهالك وحصار أمريكي محكم فكان ليندون جونسون رئيس أمريكا في عام 1965 من أكثر الرؤساء الأمريكيين سخطاً علي مصر فقد فرض حظرا اقتصاديا شاملا ومنع ارسال القمح بعد أن رفض عبدالناصر التعهد للرئيس الأمريكي بعدم انتاج اسلحة ذرية وصواريخ ذات مدي طويل وقبل حرب 67 بعام واحد تدهورت العلاقات المصرية ـ الأمريكية بشكل حاد بينما كانت العلاقات الاسرائيلية ـ الأمريكية في نمو وتصاعد مستمر علي جميع المجالات وبعد عدوان 1967 أعلنت مصر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهناك وقفات أخري في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية فمثلاً كانت سيئة جدا مع جونسون ومع بداية حكم الرئيس نيكسون.. ولكن بعد حرب 1973 بدأت العلاقات تهدأ بعض الشيء.. وبدأت الولايات المتحدة تستثمر وجود الرئيس أنور السادات.. وقد وجه الرئيس السادات الدعوة للرئيس نيكسون لزيارة القاهرة وكان استقبالاً حافلاً جداً لم يره نيكسون قبل ذلك.. صحيح انه استقال بعد الزيارة مباشرة بسبب فضيحة "وترجيت" إلا ان العلاقات ظلت تنحدر وتزدهر إلا في بعض الأحوال القليلة.. خاصة أثناء فترة رئاسة أوباما.. والتي يري عدد كبير من المحللين السياسيين انها كانت من أسوأ الفترات التي مرت بها الولايات المتحدة.
تذكرت كل هذا ونحن نتابع هذا الاستقبال الحافل الذي قوبل به الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطون وهي أول زيارة رسمية لرئيس مصري منذ عدة سنوات.. والواقع ان مصر في حاجة إلي تعاون أمريكا وكذلك أمريكا في حاجة إلي تعاون مصر..
بالتأكيد هناك طلبات مصرية.. وكذلك فإن الولايات المتحدة لها طلبات ولكني أعتقد ان هناك طلباً مشتركاً أجمع الطرفان عليه.. وهو محاربة الإرهاب وحل مشكلة فلسطين واسرائيل.. والأقل في انه لا يفسد للود طرف ثالث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف