الوفد
أحمد عز العرب
عودة الحرب الباردة (3)
وقفنا فى المقال السابق عند شرح «روبرتس» لحقيقة أهداف المحافظين الجدد فيما يجرى حالياً، وهى تدمير سوريا كما دمرت العراق وليبيا ثم زعزعة استقرار إيران تمهيداً لتدميرها، ثم زعزعة استقرار روسيا الاتحادية عن طريق عصابات الإرهاب الإسلامى فى المناطق الإسلامية داخل الاتحاد الروسى وغرب الصين فى منطقة التركستان الشرقية.
ويستطرد «روبرتس» قائلاً إن هذه الأهداف واضحة كالنهار، وبوتين يفهم هذا، ولكن روسيا التى كانت تحت سيطرة أمريكا خلاله حكم يلتسين كانت مهددة بالطابور الخامس الأمريكى داخل روسيا، كان هناك عدد كبير من منظمات المجتمع المدنى داخل روسيا ممولة من الخارج تأكد بوتين أنها عملاء لأمريكا، وأجبرت هذه المنظمات على تسجيل نفسها على أنها ممولة من الخارج، ولكنها ما زالت تمارس نشاطها.
وتتعرض روسيا أيضاً للخيانة من جزء من نخبتها المتحالفة اقتصادياً وسياسياً وعاطفياً مع أمريكا، وقد أطلقت أنا عليهم اسم «عبدة أمريكا»، فهدفهم الأسمى هو دمج روسيا فى الغرب مما يعنى أن تصبح تابعاً لأمريكا، ويبدو أن أموال أمريكا قد وجدت طريقها أيضاً داخل روسيا خلال جماعات التفكير think tanke الروسية والدوائر الأكاديمية الروسية طبقاً لهذا التقرير: «جماعة تفكير روسية وأخرى أمريكية ربما تمول أمريكا كليهما قد وصلتا لنتيجة أن أمريكا وروسيا لديهما من الأمور المشتركة والمصالح ما يزيد كثيراً عما يفرقهما فى منطقة آسيا والمحيط الهادى».
وكان هذا التقرير الأكاديمى ممولاً من المخابرات الأمريكية، وهو هجوم مباشر على العلاقات الروسية الصينية، مما يتساءل معه المرء: هل مولته المخابرات الأمريكية فعلاً؟ وينخدع الإعلام الروسى بمقولة المصالح الروسية الأمريكية المشتركة هذه، لأنه يرغب فى الاندماج فى الغرب، ومثل الدوائر الأكاديمية الروسية فإن الإعلام الروسى يعرف الإنجليزية وليس الصينية، فتاريخ روسيا منذ عهد بطرس الأكبر كان مع الغرب وليس مع الصين، وهو ما يريد الإعلام الروسى أن يستمر، ومع ذلك فإن عبدة أمريكا هؤلاء من الروس لا يفهمون أن كونهم جزءاً من الغرب يعنى أن يكونوا عملاء لأمريكا، ولو كانوا يفهمون الثمن فإنهم يكونون راضين بوضع العميل الأمريكى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا التابعة لأمريكا.
وكون الدولة تابعة ليس اختياراً غير عادى تاريخياً، فمثلاً اختارت كثير من الشعوب أن تكون خاضعة لروما القديمة ولذلك فهذه العناصر الروسية التى تريد أن تكون تابعة لأمريكا لديها سوابق تاريخية لهذه التبعية.
وللنزول بروسيا إلى مرتبة التبعية لأمريكا لدينا مثال التعاون بين معهد موسكو للأمن العالمى والعلاقات الدولية ومعهد أمريكا الدولى للدراسات الاستراتيجية، وهذان المعهدان المتآمران على السيادة الروسية يعملان على تدمير الحلف الروسى الاستراتيجى مع الصين وخلق حلف روسى أمريكى محله فى منطقة المحيط الهادى، ويقول التقرير المشترك للمعهدين أن إحدى مزايا هذا الحلف الروسى الأمريكى هو الحفاظ على حرية الملاحة والأمن البحرى.
وتعبير «حرية الملاحة» هو التعبير الأمريكى للسيطرة على خطوط الملاحة البحرية التى تمول الصين، وهكذا نجد لدينا الآن معهد روسيا يساند خطط واشنطن لقطع خطوط الإمداد للصين مركزه موسكو، وغباء المعهد الروسى للاقتصاد العالمى والعلاقات الدولية ليست محتملاً أن يطمئن الصين على حلفها مع روسيا، فإذا انهار هذا الحلف تستطيع أمريكا بسهولة أكثر التعامل مع كل من روسيا والصين منفردتين.
وبالإضافة لذلك يقول التقرير المشترك إن روسيا تستطيع التعاون مع أمريكا فى بناء الثقة بينهما لحل المشاكل الإقليمية فى منطقة المحيط الهادى بآسيا، وما يعنيه هذا القول هو أن روسيا عليها مساعدة أمريكا فى الضغط على الصين للتنازل عن مطالبها الإقليمية.
ويتساءل الإنسان: هل معهد الاقتصاد الدولى والعلاقات الدولية الموجود فى موسكو واجهة لنشاط المخابرات الأمريكية CIA؟ فإن لم يكن كذلك فمعناه أن المخابرات الأمريكية تحصل على مكاسب دون دفع ثمنها.
إن السياسة الخارجية الأمريكية معتمدة تماماً على الأكاذيب الدعائية، والإعلام الأمريكى قد أنشأ وزارة دعاية تنشر الأكاذيب على أساس معاملة الأكاذيب كحقائق ومؤسسات الأخبار حول العالم المعتادة السير وراء أمريكا تنقل هذه الأكاذيب على أنها حقائق.
ونقف عند هذه الفقرة حتى المقال التالى.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف