المصريون
د . جمال المنشاوى
ريما خلف..صحوة الضمير تهزم إغراء المناصب!
الدكتورة ريما خلف الهنيدي, اقتصادية وسياسية أردنية الجنسية, حاصلة علي شهادة البكالوريوس في الإقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت, والماجستير والدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة بورتلند الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية, اختيرت من قِبل صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية كإحدى الشخصيات الخمسين الأولي التي رسمت معالم العقد الماضي في العالم, عُينت وزيرة للصناعة والتجارة في الأردن في الفترة من1993 حتى 1995 ثم وزيرة للتخطيط 1995 حتى 1998 ثم نائب رئيس وزراء بجانب وزارة التخطيط 1998 حتي2000, وحازت علي جائزة الجامعة العربية للمرأة الأكثر تميزاً في المنظمات الدولية 2005, وكانت تعمل قبل استقالتها المدوية هذه الأيام, وهي محل هذا المقال كأمين عام مساعد للأمم المتحدة, وأمينة تنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا), أصدرت تقريراً علمياً ممنهجاً وثائقياً زاخرا بالحقائق والبراهين باسم لجنتها تجاه انتهاكات إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين, والذي يتمثل في أن إسرائيل مُذنِبه بما لا يدع مجالاً للشك في تطبيق سياسات وممارسات تمثل جريمة فصل عنصري, مخالفة لمبادئ المنظمة الدولية, هذا الفصل العنصري يتمثل في تفتيت الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً لإضعاف قدرته علي المقاومة وتغيير الواقع في فرض جديد لنظام الإبارتيد (نظام الفصل العنصري الذي كانت تطبقه جنوب إفريقيا 1948 حتي عام 1994), والذي لفظتها بسببه دول العالم أجمع, ولا تقتصر أهمية هذا التقرير علي أنه الأول من نوعه الذي يصدر عن إحدى هيئات الأمم المتحدة ويخلص بصراحة ووضوح إلي إن إسرائيل دوله عنصرية تطبق الإبارتيد تجاه السكان الفلسطينيين الأصليين بل يلقي الضوء علي جوهر قضية الشعب الفلسطيني وشروط تحقيق السلام, مما أدي إلي ثورة واشنطن ومعها إسرائيل فوصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه (منشور دعائي نازي معادٍ للسامية), كما طالبت واشنطن من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جيتريش سحب هذا التقرير, والذي استجاب بدوره لهذا الضغط فتبني موقف النأي بنفسه عن هذا التقرير, بل وندد به علناً, مُستحضراً أمامه صورة رأس الذئب الطائر الأمين العام الأسبق بطرس غالي عندما أطاحت به أمريكا بعد نشره لتقرير مذبحة قانا التي قامت به إسرائيل في لبنان, ولم يتم التجديد له لفترة ثانيه كما هو معتاد بالرغم من تمثيله لكيان دولي معتبر ومؤثر وهو كيان الفرانكفونية (الدول المتحدثة الفرنسية)!, وهذا ما دفع الدكتورة ريما خلف إلي الاستقالة, مُبررة موقفها بأنها رأت من واجبها ألا تكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة مبدية إصرارها علي كل استنتاجات التقرير!, في موقف إنساني شجاع يدل علي ضمير حي أمين لا ينافق ولا يخالف القناعات الأصيلة من أجل منصب, ومٌطلِقاً صيحة تحذير وصرخة نذير أن المنظمات الدولية غير بعيدة عن الأهواء وعن تأثيرات القوي الكبرى, وأن مناصب الأمم المتحدة دائماً لها ثمن يُنقِص من ضمير الإنسان وصورته أمام نفسه, في ضوء ذلك سارع أمين عام الأمم المتحدة إلي قبول الاستقالة وطلب حذف التقرير من الموقع الإلكتروني للجنة الأممية معللاً ذلك بأنه صدر دون استشارة أو إستفسار أو تنسيق مع مكتبه في نيويورك, مُتجاهلاً الحقيقة الأكيدة وهي رضوخه لضغوط إدارة ترامب ومعها إسرائيل لحذف التقرير, ومقدماً عربون البقاء في منصبه, وضمان التجديد له في الفترة الثانية وهو ما فقده بطرس غالي من قبل بسبب تقرير قانا, وبما أن الضغوط الأمريكية لم تتوقف عند هذا التقرير بل سبقها ضغوط وإشارات تهديدية قبل ذلك بسبب تقرير مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ضد الإستيطان الإسرائيلي ودوره في تبني مجلس الأمن لقرار يدين هذا الإستيطان, مما دفع تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي إلي إرسال رسالة لـ9 منظمات غير ربحية تابعة للأمم المتحدة منها منظمة حقوق الإنسان يهدد فيه بالانسحاب من هذه المنظمة ما لم تبتعد عن الموقف المعادي لإسرائيل, وهذا ليس بجديد علي الموقف الأمريكي على مر العصور ومع تغير الإدارات وتبديل الرؤساء والمتمثل في التأييد المباشر والفج للسياسات الإسرائيلية, وجعلها فوق القانون الدولي وعدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المٌديِنة لإسرائيل مما جعلها الدولة الناشزة الأولي في العالم, المُتجاوزة للقانون الدولي, والتي تضمن دائماً الفيتو الأمريكي أو الأوربي لتمرير سياساتها, كان العالم في حاجه لمن يوقظ ضميره, ولمن يصرخ في وجهه, ولمن ينبهه أن هناك من يقول لا, ومن يرفض أن يبيع ضميره من أجل منصب, ومن يضئ له شمعة وسط ظلام دامس , ومن يأخذ بيده لضوء في آخر النفق, وكان كل هذا ريما خلف!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف