الأخبار
رفعت رشاد
رأيت الله
عندما يحل موعد عيد الأم كل عام ، أتحير ، ما الهدية التي أقدمها لأمي هذا العام ؟.. أو ما الهدية التي تليق أن أقدمها لأمي ؟.. وأسرح لأتذكر الأعوام السابقة وما قدمته من هدايا لأمي فأجد أن ما قدمته لا يساوي ظفرا واحدا من إصبع أمي ، بل لو كنت وضعت كنوز الدنيا لما اعتبرت هدية تتناسب وكل الحب والعواطف والمشاعر والأحاسيس التي تغمرني بها ست الحبايب فتفيض بها عليَّ أمانا وحنانا وراحة فتغلفني بغلالة واقية تحميني من هم الدنيا وضغوط الحياة.
أي هدية يمكن أن تناسب العلاقة بيني وبين أمي ؟
إذا أراد رجل أن يهدي امرأة يحبها هدية في مناسبة ما تجمعهما فهو يجهد تفكيره ليجد أفضل ما يعتقد أنه يناسب تلك الحبيبة التي يريد أن يعبر لها بهديته عن أكبر قدر من الإعجاب والحب وعن التمسك بها ، فكيف يكون الحال عندما يفكر الإنسان في تقديم هدية لمن كان سببا في وجوده في الدنيا ، لمن تخلق وتكون كقطعة منه ، لمن تغذي جسده ونما داخله ، لمن يحمل نفس ملامحه الجسدية والنفسية ، لمن سهر الليالي لرعايته ، لمن هانت عليه هموم الدنيا مقابل ابتسامة صغيرة تنم عنها شفتاه.
ليس جديدا ما أكتبه عن الأم وفضلها وحبها ، فهي أصل الحياة وسرها المتواصل ، الأديان حضت علي تقديس الأم ، فالجنة تحت أقدامها ، ولو كان لإنسان أن يعبد غير الله لكانت الأم ، وليس فضل الأم وجمالها ببهائها أو صورتها الجسدية وليس حنانها وحبها مصدره مصلحة ما أو انتظار رد الجميل ، لكنها العطاء الخالص ، لا تبغي من ورائه جزاء ولا شكورا ، الحب الصافي الذي لا تشوبه عكارة المادة ، تقبلك كما أنت ، تحبك كما أنت ، لا تكرهك أبدا حتي لو كرهك العالم كله ، وحتي لو غضبت منك لا يكون غضبها حقيقيا ، يكون » من بره قلبها »‬ فقلبها لا يقدر علي أن يغضب منك أو عليك ، بل حتي لو نطق لسانها بذلك ، تكون كما يقول المثل الشعبي »‬ أدعي علي ابني وأكره اللي يقول.. آمين »‬.
لا يوجد كائن آخر يشبه الأم. نحن لا نعرف الملائكة الذين يتصفون بالرحمة وخلوهم من أي صفات بشرية سالبة ، لكني أعرف أمي التي لا يشبهها ملاك ، أمي التي تمدني بطاقة تعينني علي استمراري في الحياة ، أمي التي لو جارت عليَّ الدنيا لاتكأت عليها وهي الضعيفة جسدا القوية بداخلي فأعانتني علي الصمود ومواجهة جور الدنيا.
لقد رأيت الله في أمي ، رأيت الله الرحيم في رحمتها بي وعطفها عليَّ ، رأيت الله السلام في سكينتي بينما أنا في وجودها ، رأيت الله المؤمن في إيمانها وثقتها اللانهائية برب العالمين ، رأيت الله الغفار الغفور في سماحتها ، رأيت الله الوهاب في فيضها وعطائها الأبدي، رأيت الله الرزاق في تحويلها القليل إلي كثير ، رأيت الله البصير في رؤيتها النافذة ، رأيت الله اللطيف في معاملتها وحنوها ، رأيت الله الحليم في استيعابها غضبتي إذا حدثت ، رأيت الله الكريم في عظيم حبها وحنانها وعطفها ، رأيت الله الودود في وجه أمي البشوش ، رأيت الله العفو ، وهل هناك من يعفو مثلها ، رأيت الله النافع في كل ما فعلته معي أمي ونفعني في دنياي ، رأيت الله البديع في جمالها الذي لا أري له مثيلا ، رأيت الله الرشيد في رجاحة عقلها وهي بسيطة التعليم ، رأيت الله الصبور في صبرها علي كل ما فعلته أنا معها وما فعلته معها الدنيا ، رأيت الله النور في كل ما تفعله أمي التي أنارت كل تفصيلة في حياتي والتي تعلمت منها سر الجمال وسر الحياة.
هل يمكن لهدية مهما كانت ومهما كانت قيمتها أن تعبر عن كل هذه المعاني.
يارب يخليكي يا أمي.. يا ست الحبايب يا حبيبة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف