فيتو
ايهاب زكريا
فساد الحياة السياسية وتحقيق التنمية الاقتصادية
من كتابات "أمارتيا صن" عالم الاقتصاد الهندي الذي حاز على نوبل في الاقتصاد ١٩٩٨، نجد أن فكره يدور حول دور الحريات كمكون أساسي للتنمية والتطوير.. هذه المقالة جاءت بعد أن أنهكني سؤال.. هل الديمقراطية تؤدي إلى تدهور التنمية؟؟. ورغم أني كنت قد اقتنعت لوهلة أن ما تمر به مصر من تدهور هو نتاج لانفلات الحريات، ولكن الحقيقة هى أن الحريات المسئولة هى عماد التنمية الاقتصادية والثقافية وتنمية الموارد البشرية، وكلًا منهما لا ينفصل عن الآخر.

الجميع مقتنع بدور الأسواق كعنصر رئيسي في تحقيق نمو اقتصادي، ولكن البعض لا يدرك أن آليات السوق الحر تتكامل مع حرية تداول المعلومات والحريات المجتمعية، لتحقيق التقويم المستمر للسوق الحر حتى لا ينحرف عن مصلحة المواطن في جني ثمار التنمية، وهذا ما أشار له آدم سميث (المفكر الليبرالي).. أما في شكل الاقتصاد الاشتراكي فهناك تكامل آخر لمظاهر تقلص الحريات في اعتماد الدولة القوية على توفير أدوات التنمية، كالتعليم السليم والتوظيف ومنظومة الدعم.. لذا فإن اختيار نمط الاقتصاد يحتم آليات موازية لتعريف الحريات حتى تتحقق تنمية اقتصادية واقعية تتكامل.

أيضًا تحرير العلاقة بين العامل والمستثمر تستلزم نوعًا من الحرية الواجبة، تحكمها علاقات عادلة ناضجة (تؤسسها الدولة) ولعل كارل ماركس (عدو السوق الحر) قد اثني على ما مثلته الحرب الأهلية الأمريكية من تكريس ما يسمى بحرية عقد العمل كنقيض للعبودية مما دفع الاقتصاد الأمريكي نحو تنمية حقيقية في شتى المجالات، وفي هذا الصدد يسرد "أمارتيا صن" قصة عاصرها أثناء طفولته في دكا (عاصمة بنجلاديش حاليًا) أثناء الاضطرابات بين المسلمين والهندوس قبيل الانفصال عن الهند.. فقد اندفع رجل ينزف بالدماء نحو بيت أمارتيا الذي كان طفلًا وحكى العامل المسلم أنه جاء إلى هنا رغم التوتر العرقي لضيق الحالة المادية فطعنه رجل هندوسي، مما دفع أمارتيا للتأمل وربط الظروف الاقتصادية بالحريات للأقليات مما سبب افتقاد الحرية الاجتماعية.

إن السوق الحر قد يولد الاحتكار ولا يقاوم الاحتكار إلا الحريات المجتمعية الناضجة فكريًا وليس القانون فقط وتعد حرية الصفقات الاقتصادية والتنافسية هى قاطرة التنمية الاقتصادية، ولعل دور الحريات في تحقيق التنمية وإثراء الحياة الاجتماعية يتطرق حتى للقضايا الخلافية مثل مشكلة الزيادة السكانية.. فإن عالم الاجتماع الفرنسي كوندورسيه توقع في القرن الثامن عشر أن معدلات الخصوبة ستنخفض مع تقدم العقل والحريات وليس القوانين وهو ما تحقق لاحقًا في العالم المتقدم وليس القوانين هى الحل في كل المعضلات.

إن فعاليات السوق الحر وحرية تداول المعلومات والإعلام بلا أحزاب سياسية ناضجة تفتح الباب سريعًا نحو الفساد الاقتصادي وربطه بالسياسة لتشكل ذراعًا للفساد في شكل حزب غير شرعي وغير محكوم وتحكمه عقائد وبروتوكولات غير معلنة، ويصبح أقوى من إرادة الدولة ولا ننسى كلمة رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي، إن مصر بها منظومة إدارية لا تسمح لها أن تنهض ولن تسمح لها أن تسقط.. في معادلة سحرية يعجز عن فهمها الكثيرون... إن الحرية هى السياط الذي يرعب منظومة الفساد باستمرار ولا يجب أن تخشى الدولة العاقلة الحرية لأنها المصل الوحيد ضد الفساد وانطلاق التنمية الاقتصادية.. ولا حرج في مواجهة سلوك ما الفساد الذي يهدف دومًا إلى اختراق المنظومة الحكومية لذا فإن الشفافية المستمرة قد تكون هى أحد عناصر تأسيس الحريات المستدامة.

أخيرًا لا يوجد أي منطق عاقل يبرر الاعتماد على نخب سياسية فاسدة، أحبطت الروح المعنوية الوطنية المشتعلة بعد ٣٠ يونيو، وأصبحت اليوم تعوق التنمية بأشكالها.. وللأسف.. نحن في مرحلة تاريخية نادرة التف الشعب المصري عن بكرة أبيه بحب وثقة حول رئيسه السيسي، وبأغلبية تصويتية جارفة كبطل قومي.. تتكامل مع تأسيس الدولة القوية التي لا تتعارض مع الحريات المسئولة، التي حركتها الروح الوطنية لتقويض الفساد بأشكاله ولتحقيق تنمية اقتصادية بآليات السوق الحر، ولا يوجد بدائل أخرى لاستقرار سياسي مستدام وتهيئة حياة سياسية معبرة عن الروح الوطنية تقتنص فرصة الثقة والإجماع حول شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف