الصباح
محمود صالح
عملية اصطياد «الرجل الأبيض» فى حزب «المصريين الأحرار
فى تاريخنا السياسى القريب جدًا، جرى استخدام شخص يدعى أحمد حسن لتدمير حزب سياسى كان واعدًا فى حينها، كان الناصريون يضمون أسماء مثل حمدين صباحى وفريد عبدالخالق وضياء الدين داود وشخصيات أخرى لها وزنها وتاريخها السياسى وقدراتها لكن مع ظهور أحمد حسن جرى تدمير «الحزب الناصرى» تمامًا، وقيل أن هناك صراعًا على رئاسة الحزب وأثير لغط فارغ حول اللائحة وجرت أكبر عملية تضليل كان من نتائجها أن الحزب لم يذهب لا لحمدين ولا لفريد عبدالخالق ولا غيرهم من القيادات كما لم يذهب لأحمد حسن نفسه، لأن حسن لم يكن فى حينها يعرف ما هو الموضوع، وأظنه إلى الآن لا يعرف ماذا يفعل فى أطلال الحزب الملقاة فى شارع طلعت حرب.
قصة استخدام شخصيات فى تفريغ وتجريف أى مؤسسة من معناها وروحها وتحويلها لشىء آخر معروفة ومحفوظة وليس فيها جديد، فضلًا عن كونها باعثة على الملل، خاصة فى هذه الأيام والسنوات التى تتبدى فيها الحقائق أمام الرأى العام، وتتيح فيها وسائل التواصل عالما آخر من الوضوح لم تعد تجدى فيه مثل هذه الأفعال الآتية من عالم ما قبل الدولة الحديثة.
حدث فى التاريخ البعيد مثلًا.. فى الأربعينيات أن حاول البعض فرض شخص مجهول لمنصب وزارى مهم، فى هذه الأثناء أطلق عليه محمد التابعى - ساحر الصحافة ومبدعها - لقب « الرجل الأبيض « تعبيرًا عما يتمتع به هذا الرجل من انعدام معنى وقدرات وتحول اللقب سريعًا إلى اسم الرجل ولقبه فى كل مكان حتى داخل أروقة الوزارة نفسها التى خرج منها هذا الوزير دون أن يذكره أحد.. خرج مشيعًا بالسخرية والاستهزاء حتى الآن !
وبمناسبة الحديث عن الرجال البيض العقول والأفهام والقدرات لابد أن أذكر أن أحمد فؤاد نجم كان فى خصام وقتى مع شاعر عظيم من جيله هو فؤاد قاعود، وكان الاثنان أصدقائى جدًا، وأقنعت فؤاد قاعود الذى كان حادًا وجادًا بأن يزور معى نجم، وحدث بالفعل، وكانت ليلة من الليالى الرائعة أهم ما فيها أن نجم طلب من قاعود أن يقرأ له قصيدته « سيكولوجية الإنسان المتوسط» وقرأ قاعود مترنمًا هذه القصيدة العظيمة التى تتحدث عن الإنسان المتوسط.. الذى هو ليس جلادًا ولا ضحية.. بل من يحمل السوط.. وليس قاتلًا ولا قتيلًا.. بل من يمهد للقتل.. وليس ذكيًا لحدود الموهبة ولا غبيًا لحدود الفضيحة.. وكانت القصيدة كلها تدور حول أن هذا الإنسان المتوسط هو آفة كبرى من آفات تطور الحياة فى مصر بصورة طبيعية !
فى هذه المرحلة تحديدًا كان نجم يواجه هجومًا من صغار حول احتفالية أعدها رجل الأعمال نجيب ساويرس بمناسبة عيد ميلاده السبعين، وفى زيارة تالية كنت أتحدث مع نجم حول الواقعة التى كانت تشغل الكثيرين، وبتلقائية مفرطة كان نجم يتحدث عن ساويرس بمودة حقيقية، وحب، وقناعة بأن ساويرس بحسب رأيه رجل فنان وابن بلد ويختلف عن الكثيرين من طبقة رجال الأعمال التى طالما هاجمها نجم فى شعره وأحاديثه.
ضع كل ما سبق جنب بعض.. نجيب ساويرس.. أزمة الرجل الأبيض.. مأساة تطور الحياة فى مصر بصورة طبيعية.. لتفهم ما الذى جرى فى حزب مهم تم تأسيسه بعد 25 يناير هو حزب «المصريين الأحرار».
كان الحزب بكل المعايير هو أحد المكاسب القليلة التى تحققت على صعيد الحياة الحزبية، وقدم أداءً قويًا وجادًا، وكان فى مقدمة من تصدوا بقوة وفهم لموجة الإرهاب الإخوانى، ثم كان الحزب فى مقدمة مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى لحظة ترشحه، وتطور أداؤه إلى حد كان يمكن اعتباره «نموذجًا» لحزب سياسى يعمل لتوسيع مساحة المشاركة، ويفتتح مقرات، وله وجهة نظر متماسكة، ومخلص بصورة حقيقية لليبرالية، ما أدى لفوزه بعدد من المقاعد « 66 مقعدًا» فى البرلمان الحالى.
فى هذا العام «2017» هناك حزب ليبرالى آخر هو «الوفد» يفترض أن تبدأ عملية سياسية انتخابية فيه بعد انتهاء رئاسة الدكتور سيد البدوى، وبدلًا من أن تتجدد دماء الوفد، ويكون مع المصريين الأحرار لدينا حزبان كبيران، يمهدان الطريق لمشاركة أوسع فى المحليات، وفى أى استحقاق انتخابى قادم، بدأ العام بأسوأ ما يمكن أن يحدث لحزب وبصورة قديمة جدًا، وبالية، حين ظهر «الرجل الأبيض» فى المصريين الأحرار.. ياللمفاجأة غير السارة !
لقد ظهر عصام خليل رئيس الحزب ليعلن أن هناك مؤتمرًا عامًا سيتم تدشينه، من أجل تعديل لائحة المصريين الأحرار، ويعلم كل من قرأ لائحة الحزب أن اللائحة تشترط موافقة مجلس أمناء الحزب، لكن عصام خليل الذى قرر وارتضى، وكان سعيدًا أن يلعب دور محطم الحزب، وهادم جهود 5 سنوات من العمل السياسى المحترم بداخله، لم يكترث لا بلائحة ولا بقانون، وقرر أن يعقد مؤتمرًا غير شرعى وغير قانونى، ثم قرر فصل نجيب ساويرس، ثم قاد هو ومجموعة أخرى هجومًا على مؤسس الحزب واتهامه بأنه خبير فى هدم الأنظمة !
يؤسفنى أن أقول إن هذه ندالة سياسية غير مسبوقة، وخسارة فادحة لمصر قبل كل شىء، القانون نفسه واضح فى أن الحزب قد اتخذ إجراءات عبثية تمامًا، وأن إيحاءات الرجل الأبيض عصام خليل بأن هناك من يؤيده فى هذا العبث ليست صحيحة، هناك بالطبع من ألمحوا له، لكن الدافع الأساسى له لم يكن أكثر من محاولة إرضاء من لم يطلب منه شيئًا، فضلًا عن محاولة عقاب ساويرس على قصره الدعم على الحزب وأنشطته وعدم الدعم «الشخصى» لمجموعات اعتبرت أنها تعمل وتحصل على قوتها من ريع حزبى أصبح حقًا أو مرتبات لهم.. هذه حقيقة موثقة ويا للأسف !
عصام خليل نموذج الرجل الأبيض.. الذى لا يعرف أن يتكلم ولا يجيد مخاطبة الجمهور، والذى ليس له أى تاريخ سياسى، ولن يكون له بالطبع أى مستقبل سياسى، سيعتمد على تفاهات كبرى من عينة حصول المصريين الأحرار على مقعدين شاغرين برحيل على مصيلحى وأنور السادات عن البرلمان، لكن أكثر اعتماده سيكون على تصوير الأمر على غير حقيقته.. أن هناك نزاعًا حزبيًا بين فريقين.. الحقيقة أن الرأى العام كله ينبغى أن يضع الأمور فى نصابها، وهو أن عملية تدمير حزب تتم دونما مبرر، وأن خصمًا من مستقبل هذا البلد سياسيًا يجرى لمجرد أن البعض يريد وضع «رجل أبيض» فى موقع يراد له أن يتحول لأنقاض كما فعل أحمد حسن فى الحزب الناصرى الذى اندثر الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف