فيتو
حسين متولى
سوق الخميس أهم من رأس رمسيس
جرعة من السخرية و"التريقة" حصلت عليها وزارة الآثار أمس مع مشاهد رفع رأس تمثال فرعوني بمنطقة آثار المطرية، لم ينتبه معها الساخرون والإعلام المتجاوب معهم لحقائق كارثية مبكية بشدة.

فالمنطقة المعرفة بعرب الحصن، بنيت على مدينة العلم وعبادة الشمس "أون"، وعمليات التنقيب غير الشرعية تفوق المحاولات العلمية، للوصول إلى الآثار، التي يؤكد كل وزير ومسئول أنها ثروة تأخر استخراجها، ويؤكد الأهالي أنها عرضة كل ساعة للتنقيب والاتجار والبيع، وتؤكد مظاهر الحياة هناك أن الأرض سلبت تمامًا وباتت منطقة تغزوها المباني العشوائية.

أما الكارثة فكانت في إجراءات حكومية تعزز فكرة التعديات على المنطقة الأثرية وحرمها، وهى التي استهدفت قبل 9 سنوات بالتطوير والتحويل إلى متحف مكشوف، ضمن تصورات واضعي مخطط القاهرة الكبرى الإستراتيجي للعام 2050، وتترجم بسرعة إلى واقع عملي في مناطق الواجهة والجزر النيلية ووسط العاصمة بالأخص، لاستهداف رءوس أموال وشركات كبرى لها.

ففي أكتوبر الماضي، كانت فكرة الحكومة لنقل تبعية 54 فدانًا، تمثل الجانب الأكبر من مساحة الأرض الأثرية بالمطرية، من وزارة الأوقاف إلى محافظة القاهرة وجهاتها التنفيذية، بغرض إنشاء مشروعات خدمية.

تخيل أن مبنى جديدًا لسوق الخميس العشوائي أنشئ على بعد أمتار من موقع وقوف وزير الآثار لمتابعة استخراج رأس التمثال الفرعوني، بينما نقلت كل الأحجار الأثرية من الموقع إلى مخازن المنطقة ليتم إخلاؤه لحساب مشروعات خدمية، تتجاهل معها الحكومة تراث مصر ومدينة صانعة للتاريخ الإنساني تحت الأرض.

راجع زيارة المهندس إبراهيم محلب للمنطقة في أكتوبر الماضي وإجراءات الأوقاف والمحافظة المتلاحقة بعدها لإنجاز هذه المشروعات على حساب الأثر، والغريب أن الرجل سبق له أن أدار وزارة الإسكان وتتبعها هيئة التخطيط العمراني واضعة تصورات مخطط القاهرة 2050 وصاحبة مقترح المتاحف المكشوفة بالمناطق الأثرية المهملة.

هناك في المطرية، تحولت المنطقة الأثرية إلى مقلب للقمامة ومخلفات المباني ووكر للمخدرات ومسرح للجريمة بألوانها، وعلى سطحها ظهر أصحاب المرسيدس والشيروكي يحكمون أرباب الجدران الصاج في عزبة الصفيح، كما ظهرت خرسانات لا حصر لها تراخت الدولة عن مواجهتها، حتى أصبحت واقعًا مأسويًا يهدد حلم الأثريين، بينما يزايد نواب وتنفيذيون على البشر بمشروعات يقولون إنها لخدمة البشر.

كانت الحكومة تحلم للمنطقة بمتحف مكشوف تحيطه مجموعة فنادق، تدعم فرص نمو السياحة وتنوع أذواقها مجددًا، فتحولت بمرور الوقت إلى تاجر أراضي ومحلل لعمليات سطو منظمة على التاريخ.

وزير الآثار يقول إن المنطقة الأثرية تحتوي على معبد لرمسيس الثاني يتضمن البهو وصالة الأعمدة، وسيتم الحفر في المنطقة بحرص نظرًا لوجود كثافة سكانية حولها، ويؤكد الدكتور أيمن العشماوي رئيس البعثة العلمية المصرية الألمانية المشتركة العاملة بالمطرية قبل 10 سنوات، إن معبد أون، مركز عبادة الشمس، هو الأكبر من معبد الكرنك.

لكن كان للحكومة رأي آخر ترى معه بضاعة سوق الخميس بعد مئات السنين من الآن، أهم من ثروة "أون"، التي باتت بيانات اكتشافات الآثار بها تصدر عن وزارة الأوقاف، إلى جانب الآثار، وتترك مسميات "أون" و"المطرية" و"المسلة" وتستخدم عبارة "منطقة سوق الخميس" في إشارتها لمكان الكشف الأثري بالأمس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف