الوطن
على السلمى
زيارة ثانية لرؤية مستقبل مصر!
طال الحديث وتكرر كثيراً عن ضرورة أن تعلن الحكومة عن برنامج حقيقى وجاد وشامل للتنمية الاقتصادية والمجتمعية والسياسية للتحول بمصر إلى أوضاع أفضل على مسار ديمقراطى، وفى دولة دستورية مدنية حديثة!

ورغم أن حكومة م. شريف إسماعيل كانت قد تقدمت ببرنامج إلى مجلس النواب «الموقر» فى مارس 2016 وحصلت على ثقته وقتها، فإن الحكومة سرعان ما حادت عن ذلك البرنامج رغم اعتراضات كثير من النواب والمواطنين عليه، لافتقاده إلى الشفافية والإفصاح عن تكلفة تنفيذ ما ورد به من مشروعات، وغياب البعد الزمنى فى تحديد الوقت للوصول إلى ما وعد به من «إنجازات»، وخرجت علينا الحكومة ببرنامج أُطلق عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى» كان أساساً للتفاوض مع صندوق النقد الدولى، للحصول على قرض الـ12 مليار دولار، الذى كان من شروطه تحرير سعر الصرف، الذى أدى إلى ارتفاع غير مسبوق ولا معقول فى سعر الدولار الأمريكى وغيره من العملات الأجنبية [والعربية]، وانخفاض وتدهور فى قيمة الجنيه المصرى، ومن ثم تراجع دخول المصريين ومدخراتهم بنسبة 50% تقريباً، وارتفاعات غير طبيعية فى أسعار السلع [المستوردة والمحلية على السواء] واختفاء كثير منها، وأهمها الأدوية، كما ارتفعت تكلفة خدمات النقل نتيجة تقليص الدعم عن البنزين والسولار يوم إعلان تحرير سعر الصرف فى الثالث من نوفمبر 2016!!!

وبعد التعديل الوزارى منذ ثلاثة أسابيع انتظرنا أن تعلن الحكومة «المعدّلة» عن برنامج عمل «معدّل» يعالج التردى فى الأداء الذى كان من أسباب التعديل، الذى قال عنه الرئيس إنه لتصويب الأخطاء، وتوقعنا أن ينطلق الوزراء الجُدد بحمية وحماس لتوضيح خططهم ومشروعاتهم لتطوير أعمال وزاراتهم، وأن يبادر الوزراء الذين استمروا فى الحكومة إلى الخروج بأفكار ومشروعات غير تقليدية ومدروسة علمياً وقابلة للتنفيذ، لتطوير مجالات عمل وزاراتهم. لكن طال الانتظار، ويبدو أنه سوف يطول كثيراً، ولم يحدث شىء حتى الآن يبرر التعديل الوزارى!!

ومن عجب أن الحكومة الحالية وسابقاتها منذ بداية رئاسة الرئيس السيسى فى يونيو 2014، أُهملت «رؤية السيسى لمستقبل مصر» التى أطلقها إبان حملته، حين ترشّح لانتخابات رئاسة الجمهورية فى أبريل 2014! والهدف من مقال اليوم التذكير ببعض ما فى تلك «الرؤية»، التى يبدو فيها أداء الدولة مناقضاً، أو على الأقل مخالفاً لما جاء به، والتى نعتقد وندعو بإصرار للعودة إلى تفعيلها!

ففى حديثه عن رؤيته قال «المشير» السيسى نصاً:

■ «رؤيتى مفتاحها قرارات وتوجهات تفتح أبواب التحديث والعمل والتنمية والاجتهاد أمام أبناء مصر كافة فى مساواة هى الأولى من نوعها بين أبناء كافة محافظات مصر، فالكل سواء، وفرص التنمية متكافئة أمام الجميع».

■ «رؤيتى يرتكز فى مقدمة أولوياتها القضاء على الفقر، وعلى الأمراض المزمنة، وعلى العشوائيات، وبصورة موازية تحقق العدالة الاجتماعية والعيش الأفضل، تسعى الرؤية إلى استخدام رشيد لأصول الدولة وثرواتها وأموالها، وإلى تنمية اقتصادية غير مسبوقة قائمة على دعامات متنوعة ومتينة، وإلى تصدٍّ حقيقى وواقعى وصادق لكافة التحديات بشفافية كاملة وأمانة للمسئولية، لوضع الحلول الملائمة والمنتجة دون تراخٍ أو تأخير».

■ «الثورة مبدأ وأسلوب عمل وليست شعاراً فقط، لا عودة للدولة الأمنية ولا قمع للحريات، تأكيد الثقة بين الشعب وجيشه وقيادته وشرطته، تحقيق تحول ديمقراطى على أرض الواقع يمثل ضماناً لمستقبل مشرق، التنفيذ الكامل والفورى لجميع الالتزامات التى وردت بمختلف أبواب الدستور، خصوصاً سيادة القانون، وضمان الحقوق والحريات، والقضاء على الفساد، وتمكين الشباب والمرأة».

■ «تحقيق حياة أفضل لجميع المواطنين المصريين: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، استقرار أمنى، ومستقبل واعد لمصر والأجيال المقبلة فى دولة حديثة، خريطة إدارية واستثمارية جديدة، توازن سكانى، تكنولوجيا حديثة، رخاء، تنمية مستدامة، والعودة بمصر إلى مكانتها الإقليمية والعالمية الشامخة، وفق سياسة خارجية رشيدة ومتوازنة».

■ «تحقيق عملية تحول ديمقراطى قائم على احترام التعدّدية السياسية والحزبية وتداول السلطة واحترام الحقوق والحريات. والاهتمام الجاد بالتنمية البشرية فى شتى المجالات، وأهمها التعليم والبحث العلمى ومنظومة الصحة والثقافة والرياضة، حيث إن المصريين هم الثروة الحقيقية لمصر، والاستغلال الأمثل لكل موارد مصر مع الحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة، والتوصل إلى حلول جذرية ونهائية للمعوقات المزمنة للتنمية فى مجالى الطاقة والمياه، وإصلاح مؤسسى شامل للجهاز الإدارى للدولة يُحقق الكفاءة فى الأداء ويقضى على الفساد».

■ «لا يجب اعتبار الزيادة السكانية مجرد عبء يعوق حركة التنمية، بل لا بد من النظر إليها باعتبارها «رأسمال اجتماعى» دافعاً للنمو ومحفزاً عليه، لما يتمتع به هذا الشعب من مقومات التفوق والعطاء، متى تهيأ له التعليم الجيد والتدريب المناسب وفرص العمل المواتية، بما يحيل الزيادة السكانية إلى رافد لا ينضب من الطاقات البشرية الخلاقة».

■ «إذا ألقينا نظرة سريعة على خارطة مصر التى تمتلك أطول السواحل المطلة على البحرين المتوسط والأحمر، فضلاً عن الشواطئ النيلية وضفتى قناة السويس، لتبينّا أن استثمار هذه السواحل فى المجالات المختلفة يتيح لنا فرصاً عريضة لتنمية الدخل القومى».

■ «لا كرامة بلا حُرية، ولا حرية بلا كرامة، كما أنه لا حرية ولا كرامة بغير سيادة القانون واستقلال القضاء. كما أنه لا حرية ولا كرامة إنسانية بعيداً عن قيمنا الدينية والحُكم الرشيد والأطر الديمقراطية ووضع الدستور محل التطبيق الفعلى بتشريع القوانين، حتى لا يتحول إلى وثيقة تاريخية».

كما عالجت «الرؤية» موضوعات استقلال القضاء، العدالة الناجزة، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، التزامات الدولة بموجب الدستور، الثقافة والإعلام والإبداع الفكرى وحماية الآثار، حقوق المرأة، تطوير منظومة الأمن، محددات السياسة الخارجية، تطوير الخطاب الدينى.

وقد التزم «المشير» السيسى وقت إعلان رؤيته بمشاركة مجتمعية واسعة النطاق فى اتخاذ القرارات، وبتحقيق النتائج الإيجابية تدريجياً أثناء فترة ولايته، هذا مع تأكيده القيام بعدد من التدابير الفورية التى تتصدى للمعاناة اليومية للمواطنين.

نحن الآن أمام موقف مرتبك، إذ لدينا برنامج الحكومة الذى وافق عليه مجلس النواب «الموقر»، وبرنامج «الإصلاح الاقتصادى»، الذى قبله صندوق النقد الدولى، وخطة التنمية المستدامة للعام المالى 2016 - 2017، واستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 - 2018، وبرنامج الإصلاح الإدارى، وكذلك البرنامجان الشاملان للخروج بمصر إلى مستقبل واعد، وهما «المخطط الاستراتيجى للتنمية العمرانية» و«الإطار الاستراتيجى لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية» اللذان تم إعدادهما منذ 2011، فضلاً عن «رؤية السيسى لمستقبل مصر»، فهل من سبيل لتنسيق كل تلك الرؤى والاستراتيجيات والخطط والبرامج فى استراتيجية شاملة لإعادة بناء الوطن تجمع بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية، وتعرض لحوار مجتمعى جاد وحقيقى، وما يتم التوافق عليه يصدره رئيس الجمهورية، باعتباره «خارطة طريق» تلتزم بها الدولة ويراقب الشعب تنفيذها!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف