اليوم السابع
محمد الدسوقى رشدى
مجتمع مريض بشهادة شهدائه!
نعيش ببركة الدم الطاهر، نعبر كل أزمة فى هذا الوطن ببركة من ضحى بدمه لحمايته، سواء كان مجندًا أو ضابطًا فى صفوف الجيش والشرطة، أو كان مدنيًا فى ميدان من ميادين قول الحق فى وجه سلطة جائرة ظلمت وأفسدت، كما كان الحال فى ميادين 25 يناير، أو طغت وأرهبت كما كان الحال فى ميادين 30 يونيو.

كتب السماء، كلمات الله فى أرضه لم تبخل أبدًا فى تكريم الشهداء ووضعهم فى مكانة عالية، كتب التاريخ كلمات البشر عن أحداث أرضهم لم تترك منفذًا إلا وصنعت من شهداء الأحداث أساطير، كتب السياسية اختلفت فى كل شىء واتفقت حينما تحدثت فقط عن من ضحوا من أجل أوطانهم شهداء فى الحروب أو معارك نصرته والدفاع عنه.

المرضى نفوسهم فى مجتمعنا المنهك فى حربه مع الإرهاب، المصون بدم شهدائه، لم تؤثر فيهم كتب السماء، ولم تعين كتاب التاريخ والسياسة ضمائرهم على الاستيقاظ ولم ينجح دواء دم التضحية فى علاج صدورهم من الغل والتفاهة وانعدام الإحساس، أفهم جيدًا عدم تعاطف إرهابيين مثل الإخوان أو الدواعش مع شهداء مصر من رجال الجيش والشرطة، وأتعامل بحسرة مع شماتتهم المعلنة فى استشهاد جنود الجيش والشرطة، هذا معروف ومفهوم حينما يصدر من فئة تناصب مصر العداء من أجل سلطة، ولكن أشياء أخرى لا يمكن استيعابها.

لا يمكن استيعاب المرضى نفوسهم، السائرون معنا فى نفس الشوارع، المجاورون لنا فى مكاتب العمل ولا تنبض قلوبهم بتعاطف مع شهداء مصر ولا أهلهم، لا يمكن استيعاب أن نساءً ورجالًا يحملون الجنسية المصرية ويشاهدون بأعينهم تضحيات رجال الجيش والشرطة فى سيناء ومع ذلك لايظهرون دعمًا، ولا مساندة للشهداء وأسرهم بل ينكرون بطولاتهم وتضحياتهم.

كانت الصدمة أكبر من الاستيعاب، وأنا فى حضرة ثلاثة من زوجات شهداء الجيش والشرطة، كنت أرغب فى حديث يوثق بطولات أزواجهم، يطيب خاطرهم فى عيد الحب بإنعاش ذاكرة الناس عن ما قدمه هؤلاء الأبطال من تضحيات، ولكن كانت المفاجأة أو قل الصدمة القبيحة.. دموع ممزوجة بالأسى وزوجة أحد شهداء وأبطال الجيش المصرى فى موقعة رفح تحكى لك عن رد فعل زملائها فى المدرسة وأولياء الأمور بعد صدور قرار إدارى بوضع اسم زوجها الشهيد على المدرسة، فى تلك الحالة تتخيل أن رد فعل المواطنين المصريين هو الفرحة بأن تتشرف مدرستهم باسم الشهيد، ولكن جاء الأمر مغايرًا تمامًا، مدير المدرسة والمدرسون وأولياء الأمور اعترضوا على تسمية المدرسة بحجة أنهم اعتادوا الاسم القديم، بل وتبجح بعضهم فى الإشارة إلى أن أهل الشهيد حصلوا على حقهم من المعاشات والتكريمات الرئاسية والعسكرية، هل توجد وضاعة بشرية أكثر من ذلك؟!.. لا أعتقد.

زوجة شهيد آخر، من شهداء الشرطة تتحدث عن الجيران والأهالى الذين يحسدونها على المكافآت، تتحدث عن جيران كانت تنتظر منهم دعمًا ومساندة لتخليد اسم زوجها، وتطيب خاطر أولاد الشهيد، ولكنها لم تجد منهم سوى كلمات مثل: مش كفاية إنكً جوزك شهيد وبتاخدى فلوس كتير من المكافآت وبعدين انتى صغيرة وبكرة تتجوزى.

زوجة شهيد ثالث كانت فاجعتها أكبر وهى تسعى وتجتهد من أجل أن تشرف واحدة من مدارس محافظتها باسم زوجها الشهيد البطل، ولكنها لم تجد من السادة المسؤولين فى المحافظة سوى ردًا جاحدًا وغبيًا قائلين: «نعملك إيه يعنى ماهو بقى فى شهداء كتير هنسمى إيه ولا إيه باسمهم ويعنى هتفرق إيه بالنسبة لك».
ألا لعنة الله على أمراض مجتمعكم، لعنة الله على مسؤولين لا يقدرون الشهيد حق قدره، لعنة الله على مسؤولين لا يفهمون أن وضع اسم شهيد على المدرسة أو على شارع ليس تشريفًا للشهيد بل تشريفًا وتكريمًا لمدارسهم وشوارعهم، لعنة الله على المرضى نفوسهم الذين قابلوا تضحيات الأبطال بنكران وجحود وسوء خلق، لعنة الله على من لم يفهم حتى هذه اللحظة أننا نعيش ببركة الدم الطاهر فى سيناء، أن كل أنفاسهم وحياتهم واستقرارهم كان ثمنه دم هؤلاء الشهداء الذين يرفضون الآن دعم أسرهم نفسيًا ومعنويًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف