الوطن
معتز باللة عبد الفتاح
جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان
كندا تستقبل 35 ألف لاجئ سورى وتبحث استضافة المزيد. رئيس وزراء كندا الجديد، جاستن ترودو، يشارك المسلمين صلاة المغرب. كندا تعطى للمكسيكيين الحق فى دخول كندا بلا تأشيرة دخول.

تقول وكالات الأنباء إن رئيس وزراء كندا يبكى خلال لقائه مع لاجئ سورى بعد عام من استقباله فى البلاد. رئيس وزراء كندا يستقبل المجموعة نفسها من اللاجئين السوريين الذين استقبلهم بنفسه فى المطار قبلها بعام. قال أحد اللاجئين السوريين لـ«ترودو»، رئيس وزراء كندا، الذى ظهرت عليه علامات التأثر: «عندما قابلت رئيس الوزراء قال كلمتين هما (مرحباً فى وطنك).. فتخيل، أنت تغادر منطقة حرب وتغادر موطنك، ويتم الترحيب بك بكلمتين. إن ذكرياتى فى هذه اللحظة عادت إلى سوريا قبل الحرب، حياتنا وسعادتنا هناك والأوقات الشنيعة التى مررنا بها أثناء الحرب. ولذا شعرت بأننى فخور بأن أكون هنا. والآن وبعد عام واحد، أنا فخور لكونى كندى كما سأكون دوماً فخوراً بأننى سورى».

وقال «ترودو»: إن «مشاهدتك أنت وبناتك تمشون تجاهى فى المطار كانت لحظة فهمت فيها نوع الأشياء التى يمكننا أن نفعلها كدولة، والتى أستطيع أن أساعد فى أن تفعلها هذه الدولة. لم تكن لتمشى على أرض كندا تلك الليلة لو لم أقل إننا نستطيع أن نفعل هذا معاً وتنفيذه. هذا بالنسبة لى كان تأكيداً قوياً وواضحاً على أننى سأكون بخير حال فى هذه الوظيفة».

«وبرؤيتك هنا اليوم، قلت لنفسى إننى لن أتأثر بهذا، لكنها لحظة رائعة بالنسبة لى، وهى أيضاً انعكاس لما هو الأفضل فى كندا».

الرجل بكى فى مواقف عدة، كثير منها ارتبط باللاجئين السوريين، لكنه كذلك بكى فى زيارته إلى معسكر أوشفيتز النازى فى بولندا فى فبراير 2016.

الرجل يمثل الكثير من المعانى الإنسانية التى نجدها بين الفلاسفة والشعراء والقصاصين، ونادراً ما نجدها بين الساسة. ولو كان أفلاطون حياً لاتخذ جاست ترودو مثالاً لما سماه «الملك الفيلسوف» الذى يجمع بين الحكمة والسلطة.

تقول المعلومات المتاحة عن الرجل إنه شاب من مواليد ديسمبر 1971، ورغم صغر سنه فإنه هو رئيس وزراء كندا وزعيم الحزب الليبرالى الكندى.

الأسرة ساعدت فى تنشئته السياسية، فهو الابن البكر لبيير ترودو، رئيس الوزراء الكندى السابق. لكنه شق طريقه بطريقته، فقد انتخب عضواً بمجلس النواب عن الدائرة الانتخابية من بابينو فى عام 2008، وأعيد انتخابه عام 2011. شغل مناصب فى حكومة ظل الحزب الليبرالى كناقد للشباب والتعددية الثقافية والمواطنة والهجرة، ومرحلة ما بعد التعليم الثانوى والشباب ورياضة الهواة. فى 14 أبريل 2013، انتُخب «ترودو» لزعامة الحزب الليبرالى الكندى.

عقب فوز الحزب الليبرالى الكندى بأغلبية ساحقة فى الانتخابات الفيدرالية يوم 19 أكتوبر عام 2015، أصبح «ترودو» رئيس وزراء البلاد، وأدى اليمين الدستورية يوم 4 نوفمبر 2015.

السياسة كخدمة عامة تأتى من شخص مثقف ومتعلم وشديد الاتصال بالناس. «ترودو» حاصل على درجة بكالوريوس فى الآداب من جامعة ماكجيل ودرجة بكالوريوس فى التربية من جامعة كولومبيا البريطانية. بعد التخرّج، عمل مدرساً للغة الفرنسية والرياضيات، ثم درس الهندسة فى جامعة مونتريال. وبدأ أيضاً درجة الماجستير فى الجغرافيا البيئية فى جامعة ماكجيل قبل تعليق دراسته لخوض الحياة العامة.

منذ عام 2002 إلى عام 2006، ترأس «ترودو» برنامج كتمفك للشباب، وهو مشروع أسسه صديق للعائلة جاك هيبير. وفى 2002 - 2003، كان أحد أعضاء فريق برنامج إذاعة «سى بى سى» «كندا تقرأ»، حيث كان مشجع رواية «مستعمرة الأحلام غير المتبادلة» التى كتبها اين جونستون. افتتح «ترودو» وشقيقه ألكسندر مركز «ترودو» لدراسات السلام والنزاعات فى جامعة تورنتو فى أبريل 2004، وأصبح المركز فى وقت لاحق جزءاً من مدرسة مونك للشئون العالمية. وفى عام 2006، استضاف جائزة جيلر للأدب.

الحفاظ على وحدة كندا كان من أولى أولوياته، ففى أكتوبر 2006، انتقد «ترودو» القومية الكيبيكية (المتحدثة بالفرنسية والراغبة فى الانفصال) بوصف القومية السياسية عموماً «فكرة قديمة من القرن الـ19.. مبنية على صغر الفكر» ولا صلة لها بكيبيك الحديثة.

التطور والتقدم والنضج السياسى يتطلب وقتاً وجهداً ومحاولات قد يتخللها بعض الإخفاقات والفشل، لكن المهم أن يظل الإنسان يحاول ويجتهد ويتعلم من أخطائه.

فى أكتوبر 2008. فاز «ترودو» بفارق ضئيل على فيفيان باربو نائبة البرلمان عن حزب الكتلة الكيبيكية وانتخب نائباً للبرلمان.

فاز حزب المحافظين بحكومة أقلية فى انتخابات عام 2008، ودخل «ترودو» البرلمان كعضو من المعارضة الرسمية. كان «ترودو» أول عضو فى البرلمان الكندى الـ40 يقدم اقتراح عضو خاص، الذى دعا إلى «سياسة الخدمة التطوعية الوطنية للشباب». فاز الاقتراح بدعم من البرلمانيين من جميع الأحزاب. وهى فكرة شديدة الشبه بكتائب الخدمة المدنية التى ابتكرها الرئيس روزفلت فى أمريكا فى الثلاثينات.

وقد شجّع «ترودو» زيادة جهود الإغاثة الكندية بعد زلزال هايتى عام 2010، وسعى لإجراءات هجرة أكثر سهولة من هايتى إلى كندا فى أوقات الأزمات. هذا فى جزء منه له بعد إنسانى، لكنه كذلك محاولة لاستغلال المساحة الشاسعة لكندا غير المأهولة، حيث إن عدد سكان كندا فقط 34 مليون نسمة فى دولة تُعد ثالث أكبر دولة مساحة فى العالم.

وأظهرت استطلاعات الرأى التى أجريت خلال سباق الزعامة أن دعم الليبراليين سيرتفع لو كانوا بقيادة «ترودو». وبعد الفوز بقيادة حزبه، أظهر استطلاع للرأى أن الحزب الليبرالى تم اختياره من قبل 43 فى المائة من أفراد العينة، وهذا بالمقارنة مع 30 فى المائة لحزب المحافظين الحاكم، و19 فى المائة لصالح حزب المعارضة الرسمية الديمقراطيون الجدد.

أطلق «ترودو» شريط فيديو على الإنترنت قبل أسبوع من مؤتمر الحزب الليبرالى 2014 بعنوان «الاقتصاد الذى يعود بالفائدة علينا جميعاً» والذى روى فيه برنامجه الاقتصادى. وقال إن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فى كندا انخفضت فى السنوات الأخيرة، والآن حان الوقت لأوتاوا لأن «تصعد».

الوضع الاقتصادى فى كندا يتحسّن. ألقى الرجل خطاباً فى مقر البرلمان الأوروبى ويوقع اتفاقية تبادل تجارة حرة تُخفف من اعتماد المنتجات الكندية على السوق الأمريكية.

الرجل ناجح. يجمع بين مهارات السياسى وأخلاقيات الفيلسوف. يؤمن بالتعدد والمساواة وحق الإنسان فى حياة كريمة، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه.

سأزور هذا الرجل كثيراً لأكتب عنه، فقد يكون نموذجاً قابلاً للتكرار فى مجتمعات أخرى.

السياسى إنسان.. السياسى إنسان.. السياسى إنسان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف