بوابة الشروق
محمد أنيس سالم
الأزمات العربية فى الحقبة الترامباوية
مدير مركز العمل الانمائى بالقاهرة، منسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية بالمجلس المصرى للشئون الخارحية، سفير سابق
العالم يتحسب للموجة الترامباوية التى تعصف بقواعد اللعبة الدولية المعروفة. حلفاء أمريكا قبل خصومها يضربون أخماسا فى أسداس. اندهشت النخبة العالمية فى «دافوس» وهى تسمع رئيس الصين يدافع عن العولمة بينما الرئيس الجديد لأكبر نظام رأسمالى فى العالم يهاجم حرية التجارة ويتوعد شركات السيارات الألمانية. الأغلب أن العالم دخل إلى لحظة فوضى بلا خرائط أو طرق ممهدة.

ويبقى الغموض حول مواقف إدارة «ترامب» من قضايا الشرق الأوسط. فالرجل أعلن نيته إجراء تحولات جذرية فى السياسات التى اتبعتها بلاده منذ الحرب العالمية الثانية (مثلا مدى الالتزام بالمادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو الخاصة بالدفاع الجماعى)، كما أنه أصدر تصريحات متناقضة، بل خالفه أعمدة نظامه من أمثال وزيرى الخارجية والدفاع، ناهيك عن تشكل صورة سلبية للرئيس الجديد لا فقط لتواضع خبرته السياسية ولكن أيضا بسبب تهوره وسطحية آرائه حتى أن أحد سفراء بريطانيا السابقين فى واشنطن وصفه بأنه «غير مؤهل وعنصرى ومتعصب ومعاق من الناحية الأخلاقية».

ومع ذلك يمكن تكوين صورة لمواقف ترامب من الشرق الأوسط، وخاصة الأزمات العربية الراهنة، عبر التعرف على اتجاهاته العامة ثم بتحديد بعض العناصر التى يمكنها أن تؤثر على صياغة سياسته الشرق أوسطية وصولا إلى تحديد مواقفه الأكثر احتمالا من الأزمات العربية المتعددة.


نظرة «ترامب» العالمية
يمكن تحديد ستة خطوط رئيسية للطرح الدولى «الترامباوى»:
• استهداف عودة الولايات المتحدة إلى مكانتها السابقة مع ربط ذلك بالتركيز على الأوضاع الداخلية وإعادة بناء قاعدة القوة والبنية الأساسية للبلاد.
• الاتجاه نحو العزلة ومطالبة الدول الأخرى بتحمل مسئولية الدفاع عن نفسها بل والتصدى للمشاكل فى نطاقها الإقليمى وهو ما يخالف اتجاهات مدارس فكرية أمريكية أخرى نادت باتباع سياسات فيها قدر كبير من التفاعل مع قضايا العالم مع لعب دور قيادى وتدخلى فى معالجتها.
• التركيز على الأبعاد الاقتصادية مع اندفاع نحو تحجيم آثار اتفاقيات التجارة الحرة مع دول الجوار وإيقاف تأثيرات العولمة على سوق العمل الأمريكية ومراجعة العلاقة التجارية مع الصين.
• الاعتقاد بإمكانية الوصول لتفاهم جديد مع روسيا واعتبار أن الزمن قد تجاوز فكرة المواجهة بين واشنطن وموسكو، وبالتالى الاتجاه نحو مراجعة جذرية لوظيفة حلف الناتو فى احتواء روسيا.
• المقاربة «التعاقدية» transactional للعلاقات الدولية بمعنى أن كل علاقة تتضمن «صفقة» لتبادل المنافع، مع الاعتقاد بضرورة مراجعة التعاقدات القائمة مع الدول الأخرى سواء أعضاء الناتو، أو دول الجوار، أو الصين، أو دول الخليج.
• التشكك فى الأمم المتحدة: يأخذ «ترامب» وجماعته موقفا سلبيا من المنظمة الدولية التى وصفها بأنها «نادى لأناس يقضون وقتا طيبا» واتهمها بأنها «تتسبب فى المشاكل».

اتجاهات «ترامب» الشرق أوسطية
فيما يتعلق بالتوجهات العامة «لترامب» وفريقه نحو الشرق الأوسط، يمكن فرز ستة عناصر أساسية:
• معاداة الإسلام: يمكن رصد اتجاه قوى للإسلاموفوبيا فى تصريحات وكتابات «ترامب» وأعوانه تصل إلى حد الربط بين الإسلام كديانة والإرهاب مع استخدام مجموعة من الأوصاف العنيفة بل العنصرية فى هذا السياق.
• غياب المفهوم الشامل: على عكس السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، والتى اتسمت بوجود مفاهيم محورية تحدد الخط الرئيسى أو الهدف الاستراتيجى، لا يبدو الاتجاه «الترامبوى» فى حاجة لأفكار مثل مبدأ أيزنهاور أو مبدأ كارتر ويبدو أن هناك اكتفاء بفكرة مواجهة الإرهاب والتصدى لإيران ومساندة الاتجاهات الإسرائيلية المتطرفة.
• الانحياز للتطرف الإسرائيلى: كان اختيار «ترامب» لمحاميه السابق (ديفيد فريدمان) ليصبح السفير الأمريكى لإسرائيل خطوة دالة. فالرجل كان يجمع التبرعات للمستعمرات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، حتى أن الكاتب الأمريكى «توماس فريدمان» لاحظ أنه – ولأول مرة – ترسل واشنطن سفيرا لإسرائيل يقف على يمين «نتنياهو». وكرر «ترامب» وأعوانه النية لنقل السفارة الأمريكية للقدس وانتقد بشدة موقف «أوباما» من عدم استخدام الفيتو لإيقاف قرار مجلس الأمن الأخير حول المستعمرات.
• إعادة تأهيل العلاقة مع مصر: يعتقد «ترامب» وفريقه بضرورة احتفاظ الولايات المتحدة بعلاقة عمل طيبة مع مصر اعترافا بدورها الإقليمى المركزى وخاصة فى محاربة الإرهاب والتصدى للفكر المتطرف، بما فى ذلك مواجهة حركة الإخوان المسلمين التى يريد «الترامبويون» وضعها على قائمة الإرهاب.
• التحرز من إيران: مع استهجان «ترامب» لاتفاق 5+1 مع إيران، فإنه ينبه إلى ضرورة التصدى لتدخلات طهران الإقليمية والتعامل معها بقوة أكبر.
• بناء تحالف إقليمى جديد: توجد إشارات متعددة فى كتابات أعضاء فريق «ترامب» لفكرة تكوين تحالف إقليمى جديد فى الشرق الأوسط على نمط الناتو لمواجهة الإرهاب وإيران. يقترح هذا الطرح ضم مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت والبحرين فى المرحلة الأولى مع تقديم الولايات المتحدة عناصر القيادة والتحكم والمعلومات والإمدادات وقيام إسرائيل بدور مساند مع التوسع فى مرحلة تالية لضم دول شمال أفريقيا وعدد من الدول الأفريقية.

«ترامب» والأزمات العربية المعاصرة
هذان المنظوران «لدونالد ترامب»، العالمى والإقليمى، يمثلان عناصر تشكيل توجهاته نحو التعامل مع أزمات الشرق الأوسط. ورغم وجود رأى بأن مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأمريكية ستؤثر على مواقف «ترامب» وتعيده إلى نطاقات العمل التقليدية إلا أن تصرفات «ترامب» منذ انتخابه تشير إلى أنه عنيد ولا يستمع بالضرورة لمستشاريه، كما أنه لا يمانع فى الدخول فى خلافات علنية مع أجهزة مخابراته والمؤسسات الإعلامية بل مع أعضاء فريقه نفسه.
• القضية الفلسطينية: يتجه «ترامب» نحو نقل سفارته للقدس مع وجود إشارات لاستعداده لإحياء موقف «بوش» الابن فى خطابه لشارون (أبريل 2004) المتضمن قبول ضم إسرائيل لمستعمراتها فى الضفة الغربية فى التسوية النهائية. ولاشك أن هذا الإجراء، إن تم، سوف يؤثر على دور الولايات المتحدة فى المنطقة وخاصة فى تسوية النزاع العربى – الإسرائيلى.
• الحرب الأهلية السورية: «ترامب» يريد أن يعطى الأولوية المطلقة لمحاربة الجماعات الإرهابية بما يعنى استعداده للعمل مع روسيا وقبول بقاء الأسد فى مرحلة انتقالية، مع توقع أن يتوسع فى محاولة استبعاد القوى الإسلامية مما قد يكون مثار توتر فى العلاقات مع عدد من دول الخليج. ويلاحظ أن «ترامب» يؤيد فرض مناطق آمنة فى سوريا مما يقربه من الموقف التركى، وبالمقابل يتوقع ألا يكون مرتاحا للدور الإيرانى فى سوريا.
• الإرهـــاب: يصعب المبالغة فى مدى أهمية هذه المعركة لترامب وقد أمهل وزير دفاعه شهرا لتقديم خطة عمل للقضاء على داعش والأرجح أن يكون هذا المنظور أساسيا فى مقاربة واشنطن للمنطقة.
• ليبيـــا: تأخذ إدارة ترامب موقفا أقل حماسا لدور الإخوان المسلمين والجماعات المسلحة التى ترفع شعارات إسلامية كما تعطى أولوية أكبر للقضاء على داعش والتنسيق مع مصر وإن كانت قد تلجأ لدفع أعضاء الناتو الأوروبيين للعب دور أوسع.
• الوضع فى اليمن: لا يحتل هذا الموضوع أولوية لدى «ترامب» اللهم إلا من ناحية محاربة الإرهاب وتحجيم نفوذ إيران وإن كان اهتمام مساعديه بالأمن فى البحر الأحمر يضيف بُعدا جديدا. والأرجح أن تستمر واشنطن فى دعم موقف الرياض مع عدم التحمس لدمج الإخوان فى أية ترتيبات جديدة مع قبول باستمرار جهود الأمم المتحدة فى شكل المعدل (أى عدم استبدال عبدربه منصور هادى فى المدى القريب).
السؤال يبقى عن العالم العربى فى لحظة تراجع وضياع. هل يدفع ثمن المراجعات الدولية القادمة؟ ثم تبقى مهمة القاهرة فى إعداد أوراقها لحديث جاد وقادم قريبا مع الرئيس الأمريكى الجديد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف