الأهرام
د. هالة مصطفى
لمن ينتظر التغيير الوزارى
التغيير أو بالأحرى التعديل الوزارى المرتقب هو محور نقاشات أغلب وسائل الإعلام التى استمرت على مدى الفترة الماضية, بعد حملة هجوم مكثفة على الحكومة وأدائها فى مختلف القطاعات من الاقتصاد إلى ملفى الصحة والتعليم, وبالمناسبة هما ملفان ملازمان تقريبا لكل الحكومات, فكل حكومة تحملهما كقدرها, ومع هذه الحملة زادت التوقعات فى إحداث طفرة أو نقلة نوعية مع التغيير ليس فقط فى مستوى الأداء وإنما فى جوهر السياسات القائمة فتحدث البعض عن ضرورة مراجعة سياسة التحرير الاقتصادى ودعا البعض الآخر إلى سياسة جديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية وذهب فريق ثالث إلى حد المطالبة بأن يكون الوزير المعين «سياسيا» وليس «تنفيذيا».

ولكن هل تعديل وزارى أو حتى تغيير كامل للحكومة قادر على أن يحقق كل ذلك؟ وهل السياسات الحالية للاصلاح الاقتصادى وُضعت فى فراغ أم ارتبطت باختلالات اقتصادية هيكلية وعجز فى الموازنة العامة اضطرت الدولة للجوء إلى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى بشروطه المعروفة؟ والسؤال الأهم هل تصنع الحكومات فى مصر السياسات العامة؟

على مدى يزيد على الستة عقود لم تكن هناك فروقات كبيرة أو أساسية بين الحكومات المتعاقبة سواء فى طريقة تشكيلها أو المهام المكلفة بها أو حتى فى مستوى عملها, فالرئيس هو دائما من يُكلف من يقع عليه الاختيار لرئاسة الحكومة أو بدقة لرئاسة الوزراء (أحيانا يرأسها بنفسه كما حدث فى أكثر من عهد سابق) ويعين القائمين على الوزارات السيادية (دفاع وخارجية وداخلية) وبعض وزراء القطاعات الحيوية ويترك هامشا لرئيس الحكومة لاختيار البعض الآخر, وفى كل الأحوال تكون لأجهزة الدولة اليد العليا فى الترشيح والموافقة على التعيين, وربما تلعب المعرفة الشخصية برئيس الوزراء دورا فى الاختيار ولكنه يكون مشروطا أيضا بهذه الموافقة. لذلك لا تكون هناك معايير واضحة لعموم الناس فى هذه الاختيارات, وبنفس المنطق غالبا ما يأتى البرنامج المعلن للحكومة –أى حكومة- كتجميع لعمل أو ما يُتنظر عمله من مختلف الوزارت, ملىء بالتفصيل والأرقام عن عدد الأبنية التعليمية والمستشفيات أو كم الكبارى والطرق التى أُنشئت, والمشاريع التى افتُتحت وهكذا, دون التطرق لسياسة عامة فى هذا القطاع أو ذاك.

وليس غريبا فى هذا السياق, أن يستمر عدد من الوزراء فى مواقعهم فى ظل حكومات مختلفة أو أن يأتى من بينهم رئيس الوزراء, وهذا تقليد سائد منذ زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى اليوم, وتؤكده مقارنة بسيطة بين الحكومات الأخيرة بدءا من حكومة عصام شرف مرورا بالببلاوى ومحلب وانتهاء بالمهندس شريف إسماعيل, أما الظاهرة المضافة إلى تلك الخصائص فهى كثرة اعتذارات المرشحين عن تولى الحقائب الوزارية, فمشاكل تلك الوظيفة العامة أى وظيفة الوزير بات لها تداعيات سلبية على أصحابها من قسوة الانتقادات التى يتعرضون لها دون أن تكون لهم رؤية محددة يدافعون عنها ويتحمسون لها.

لا شىء من هذا يقلل من قدر شخص رئيس الحكومة أو أشخاص وزرائها, ببساطة لأنه ليست لدينا حكومات سياسية ولا وزير سياسى, وإنما حكومات تكنوقراطية أى من الفنيين والمتخصصين فى مجالاتهم المرتبطين بالجهاز البيروقراطى أى الإدراى للدولة, بعكس الحال فى الدول الديمقراطية العريقة, فمثلا عندما جاءت نتيجة الاستفتاء الشعبى فى بريطانيا لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبى استقال على الفور رئيس حكومتها آنذاك ديفيد كاميرون لأن الواقع الجديد لا يتفق مع قناعاته السياسية لتُخلفه تريزا ماى, ونفس الشىء سيسرى على فرنسا بعد الانتخابات الرئاسية التى من المتوقع أن تنتقل فيها السلطة من الحزب الاشتراكى إلى أحزاب الوسط واليمين, أو كنموذج الديمقراطيين (الذين يمثلون التيار الليبرالى) والجمهوريين (أصحاب الاتجاه المحافظ) فى أمريكا, وبالتالى تنعكس التوجهات السياسية على تشكيل الحكومات وعلى السياسات العامة.

عرفت مصر قبل 1952 هذا النمط من الحكومات, حيث كانت كل حكومة تأتى برؤيتها السياسية الخاصة والمحددة سلفا لتُطبقها, حتى إن أسماء رؤساء الحكومة كانت عنوانا لطبيعة المرحلة السياسية أو العهد السياسى, فيُقال وزارة على ماهر أو حسن صبرى أو حسين سرى أو مصطفى النحاس أو إسماعيل صدقى أو محمود فهمى النقراشى, فى إشارة إلى تمثيل كل منها لتوجه سياسى معروف مُعبر عن الحزب الذى تنتمى إليه سواء كان من الأغلبية أو الأقلية. لكن الحكومات السياسية أى ذات الطابع السياسى لها فى النهاية مقوم وشرط أساسى لكى تُوجد, وهو توافر نظام حزبى قوى وأحزاب قوية, وبعد ذلك قد تأخذ الدولة بشكل الحكم البرلمانى أو الرئاسى فليست هذه هى المشكلة, وهذا الشرط غير موجود فى الحالة المصرية, ولأنه لا يمكن افتعال تجربة حزبية, فقد باتت ظاهرة ضعف الأحزاب أمرا مزمنا فى حياتنا السياسية. قد يحتج البعض على هذا الرأى بإرجاع السبب إلى إلغاء الأحزاب فى بداية الخمسينيات, ولكن الحقيقة أنها عادت رسميا فى منتصف السبعينيات, ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث شىء ملموس وإنما تعثر متكرر أو حضور باهت, ولم تفلح ثورتا 25 يناير و30 يونيو رغم الزخم السياسى الذى صاحبهما فى تغيير هذا الواقع، لذلك وكنتيجة منطقية تلعب الدولة ومؤسسة الرئاسة الدور الأهم فى تشكيل الحكومات وتحديد السياسات العامة, صحيح أن الدستور الحالى وسع من اختصاصات البرلمان ليكون شريكا فى هذه العملية, إلا أن الأغلبية (تكتل دعم مصر) متوافقة مع مؤسسات الدولة, وعلى فرض أنها معارضة فلن يتغير الوضع كثيرا, فمثل هذه التكتلات أو التجمعات البرلمانية قد تفتقد الرؤية المتجانسة نظرا لكونها تتشكل من خليط سياسى يضم أكثر من اتجاه. وبالتالى, فأى تغيير أو تعديل وزارى يكون إما لمواجهة فساد أو رفع مستوى أداء, أى ما يدخل فى إطار تطبيق سياسة ما وليس ابتكارها أو صنعها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف