الوطن
على السلمى
هل يصوِّب التعديل الوزارى المرتقب تلك الأخطاء؟
عادت أنباء التعديل الوزارى إلى الظهور بقوة بعد حديث الرئيس مع الصحف القومية، حين صرح قائلاً «تعديل وزارى قريب وما يحتاج إلى تصويب سنصوبه»! إذن الرئيس يعلم بالأخطاء التى شابت أداء حكومة شريف إسماعيل، التى تتمتع بثقته، كما أكد حين سئل عما إذا كان رئيس الوزراء يتمتع بثقته: «بالقطع.. يتمتع بثقتى، وهذه الثقة نابعة من العمل ومن الأداء والمتابعة والتقدير للمهمة وأمانة المسئولية»، وهنا نأتى إلى صلب الموضوع فى قضية التعديلات الوزارية؛ فإن كان التعديل يقصد إلى تغيير عدد من الوزراء ودمج أو فك بضع وزارات يتكرر كل حين وآخر، فلا حاجة لنا بذلك التعديل وبقاء الوزارة على ما هى عليه أوفر فى المال والجهد وتجنب ضياع الوقت فى مراسم غير مجدية! ولكن، إن كان يقصد بالتعديل المرتقب تصويب الأخطاء، كما أكد الرئيس، فتلك قصة أخرى نفصلها فى هذا المقال تأكيداً لمقالات سابقة كثيرة لم يكن لها أثر.

أول الأخطاء المطلوب تصويبها، غياب الرؤية المتكاملة السياسية والاقتصادية فى برنامج وقرارات الحكومة، وانطلاق القرارات الصادمة فيما يطلق عليه الإصلاح الاقتصادى بلا تمهيد ولا إعداد لمقابلة تداعيات تلك القرارات! فقرارا تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود، اللذان ترتب عليهما تخفيض جوهرى فى قيمة الجنيه المصرى ومن ثم قوته الشرائية، وانفجار سعر الدولار حتى الدولار الجمركى، وارتفاع أسعار كل السلع المحلية والمستوردة، والخدمات بما فيها الحكومية، ومنها على سبيل المثال زيادة رسوم استخراج بطاقة الرقم القومى «الخدمة العادية» إلى 24.10جنيه والخدمة العاجلة 99.10 جنيه تصل إلى 149.10 جنيه، حيث يتم تصوير المواطن فى منزله!!!!!!

ودليلنا على افتقاد الرؤية فى موضوع شائك وصادم ومؤثر مثل تخفيض قيمة العملة الوطنية، أن ذلك القرار قد اُتخذ فيما يبدو انصياعاً لشروط صندوق النقد الدولى للحصول على قرض الـ12 مليار دولار، الأمر الذى لم يجعل الحكومة قادرة على تخيل تبعات هذا القرار فى قضايا حيوية مثل توفر الأدوية والمحاليل الطبية التى اختفت من الأسواق واضطرت وزارة الصحة إلى رفع أسعارها بمعدلات عالية، مما دعا رئاسة الجمهورية إلى إعلان أن الرئيس شدد على ضرورة تخفيف الأعباء عن المواطنين ومراقبة الأسواق، وتأكيده أن الدولة رفضت زيادة أسعار الأدوية، دون استثناء وشدد على الاتفاق بتحريك 20% منها فقط.

من جانب آخر، لا يمكن أن تمر تصريحات كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولى لمصر مرور الكرام دون مساءلة الحكومة، وكان جارفيس قد اعترف بخطأ قرار تعويم الجنيه المصرى، حيث قال فى مؤتمر صحفى عقده منذ أيام، «إن قيمة الجنيه المصرى انخفضت بأكثر من المتوقع بعد تعويم سعر الصرف»، مشيراً إلى أن «القيمة الحالية هى السوقية التى يحددها العرض والطلب» موضحاً «أن الجنيه انخفض بعد التعويم أكثر مما توقعنا وكنا مخطئين فى ذلك»، وأشار جارفيس إلى أن السكان يمكن أن يستفيدوا على المدى الطويل من الإصلاحات والتعويم، مؤكداً أن الفقراء سيعانون بشكل كبير، وقد فجر جارفيس المفاجأة الخاصة بفرض ضريبة على نشاط البورصة فى مصر، إما فى صورة ضريبة دمغة أو ضريبة على الأرباح الرأسمالية، وذلك بحلول آخر مايو المقبل، وهو الأمر الذى لم تعلن عنه الحكومة المصرية حين بشرتنا بموافقة الصندوق على القرض «بدون شروط» وأنه تم على أساس برنامج للإصلاح الاقتصادى «مصرى خالص»!!! والغريب أن هذا التصريح من رئيس بعثة الصندوق يمثل تراجعاً عن قرار المجلس الأعلى للاستثمار فى نوفمبر الماضى بتأجيل العمل بالضريبة على أرباح النشاط فى البورصة لمدة ثلاث سنوات!!!!!! وذلك فضلاً عن شروط أخرى بالتزام الحكومة بإعداد قانون جديد للتراخيص يشمل التخلص من تراخيص القطاع الصناعى باستثناء الصناعات المضرة بالمصلحة العامة، وقصر الموافقات المسبقة من الدفاع المدنى والإطفاء على المنشآت عالية الخطورة، كما أوجبت اتفاقية القرض أن تنتهى الحكومة قبل آخر يناير، أى بعد بضعة أيام، من إعداد بيان شامل بالمخاطر المالية (مخاطر الاقتصاد الكلى، شركات القطاع العام، الديون، المعاش، الالتزامات الطارئة).

وفضلاً عن مخاطر شروط قرض الصندوق، فإن الحكومة مستمرة فى سياسة الاقتراض، على الرغم من «توجيهات» الرئيس المتكررة لوزيرة التعاون الدولى باقتصار الاقتراض على تمويل مشروعات لها القدرة على سداد القروض من عوائد تشغيلها، ومطالبته بالإسراع فى تنفيذ المشروعات التى يتم الحصول على تمويل خارجى لها، وضمان تحقيقها أفضل النتائج للمواطن، مع تعظيم المكون المحلى فى تلك المشروعات بما يحقق أقصى استفادة من عائدها لتنمية الاقتصاد القومى، إلى آخر توجيهاته خلال اجتماعه مع وزيرة التعاون الدولى يوم 2 يناير الحالى، والتشديد على مراعاة الحد من الاستدانة، موجهاً بإيلاء مزيد من الاهتمام لمكافحة الفقر وللمناطق الأكثر احتياجاً، والتوسع فى دعم الصناعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لدورها فى توفير مزيد من فرص العمل للشباب وفتح آفاق جديدة لهم، والتركيز على البرامج التى تهدف لمساعدة وتمكين المرأة، مع تعميق مشاركة المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى الجهود التى تقوم بها الدولة، باعتبارهما من دعائم التنمية الشاملة التى يتطلع إليها الشعب المصرى.

وقد أوضح خبراء صندوق النقد الدولى أن مصر ستواجه عدداً من المشاكل خلال برنامجها الإصلاحى، تتمثل فى اتساع الفجوة التمويلية بمقدار 35 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما أوضحوا وجود «مخاطر مهمة» فى قدرة مصر على سداد القرض، وأن البنك المركزى المصرى ووزارة المالية وقعا على مذكرة تفاهم بمسئوليات كل منهما لضمان السداد، وأضافوا، أن تمويلات برنامج القرض مؤمنة فقط حتى نهاية العام المالى الحالى 2016-2017، «لكن تمويلات إضافية بحاجة للتأمين للأعوام 2017-2018 و2018-2019».

ونحن نتساءل: هل سيؤدى التعديل الوزارى المرتقب إلى تنفيذ ما جاء ببرنامج الحكومة وخطة التنمية المستدامة 30/20 بشأن «الإصلاح الإدارى»! وكيف يتم ذلك الإصلاح دون المساس بحقوق العاملين الحاليين، كما تكررت تصريحات المسئولين بهذا الخصوص! وهل قصة دمج وفك الوزارات المتكررة مع كل تشكيل أو تعديل وزارى هى السبيل لتحقيق الإصلاح الإدارى مع استمرار هياكل الوزارات المدمجة أو المنفصلة على ما هى عليه! وهل سيزيد التعديل الوزارى من قدرة الحكومة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التى يفترض استكمالها عام 2018!!!

وأخيراً وليس آخراً، هل سيؤدى التعديل الوزارى إلى تصويب خطأ الحكومة الحالية فى إدارة أزمة «صنافير وتيران»؟ إن تلك الأزمة ما كانت لتنشأ لو التزمت الحكومة بمبادئ الشفافية وتجنبت الطعن على حكم القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وترفعت عن السير فى مشاكسات قانونية مثل رفع دعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة وهى غير مختصة لمجرد تعطيل نفاذ حكم محكمة القضاء الإدارى، فكانت خطوة غير مناسبة لحكومة أقسم رئيسها وأعضاؤها على احترام الدستور والقانون!

وهل ستغير الحكومة المعدلة من أسلوب تعاملها مع القضية بعد حكم المحكمة الإدارية العليا وتقوم بسحب الاتفاقية من مجلس النواب وتجنب الوطن الشقاق المتوقع بين السلطتين التشريعية والقضائية حال استمرار مجلس النواب فى الإصرار على مناقشتها بعد إحالتها إليه من الحكومة!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف