الجمهورية
جمالات يونس
الخلطة السرية
فعلاً لا يمكن أن تكون إلا خلطة سرية.. شرب منها كل حبة في تراب مصر.. انتشرت في هوائها وذابت في نيلها فانطلقت تزين تركيبة المصريين بلا تفرقة.. تطفو علي السطح في بعضهم فنراهم فراشات رحمة ونبعاً للجدعنة وتغوص لتختبيء في العمق في البعض الآخر تحت طبقات من الصراع والرغبة في الامتلاك والخوف لكنها دائماً في لحظة غير محسوبة تنطلق فتأخذ في طريقها كل تلك الشرور فنراهم مصريين جددا وكأننا لا نعرفهم.
"كتالوج" المصريين عصي علي الفهم لا تصل إليه النظريات المخابراتية أو المراكز البحثية.. حير الجميع ونجت مصر مما دبر لها بليل..شممت رائحة تلك الخلطة بطزاجتها في احتفالات عيد الميلاد المجيد عادت لي تلك الرائحة التي اعتدت عليها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً حين انتقلت للعيش في بناية تابعة لوقف كنيسة شهيرة..خبرات كثيرة كانت سبباً في نجاح حياتي حرص جيراني الأقباط علي أن أتعلمها وقفوا بجانبي واحتضنوني وبمرور الزمن صاروا جزءاً مني وصرت جزءاً منهم ومازلنا كذلك دون أكليشيهات محفوظة أو كلمات مجاملة.. لم نكن نحتاج لذلك فالحياة وقتها كانت لا تعرف إلا أننا مصريون وكفي..اليوم.. مصريون كثيرون مازالوا يملكون في تكوينهم أسرار خلطة الاندماج الطبيعي لا يهمهم أن يسألوا عن ديانة أو موقف سياسي ولا يتعاملون مع تلك الفتاوي التي تجلب الشقاق وتوقظ اسوأ ما في الإنسان.. الكراهية.
هذا البعض التقي مع إدارة حكيمة للأزمات المتلاحقة من طرفي المعادلة ــ الرئيس السيسي والبابا تواضروس ــ مما جعل أباطرة الشر يدركون أنهم لن يستطيعوا أن يحققوا أي تقدم في ملف الفتنة الطائفية وأتصور أنهم سيؤجلونه لفترة قد تطول أو تقصر لكنهم لن يتخلوا عنه وقد يغيرون من أساليبهم.. وبصراحة في مقابل هذا البعض الذي لم يتخل عن مصريته وآدميته وصحيح دينه وتسامحه بعض أكبر حائر داخل أتون الفتاوي ودعاوي التحريض ومغلوط الدين الذي يمارس عليه كل يوم وهم للأسف وميض النار تحت الرماد الذي ينفخ فيها شيوخ الشر والتخريب..في كثير من العشوائيات والأحياء الشعبية توزع الفتاوي كل يوم علي المساجد ومراكز الشباب والمدارس وفي وسائل المواصلات والمستشفيات وكل مكان يستطيعون أن يصلوا إليه تنشر الكراهية وخطاب التحريض وبالطبع التطرف يقابله تطرف من الجانب الآخر.
هؤلاء مسلمون ومسيحيون لا يجب أن نتركهم أسري في يد تجار الدم.. علينا أن نذهب لهم في كل مكان هؤلاء هم الأولي بالرعاية من وزراء الشباب والثقافة والأوقاف وشيخ الأزهر وقادة الرأي ومجلس الشعب والمجالس الشعبية والجمعيات الثقافية.. هؤلاء لا يجدون إلا المسجد أو الزاوية أو مراكز الشباب التي تحولت لأوكار مخدرات وأفكار هدامة.. معركتنا الحقيقية أن نستردهم وبسرعة.. وقتها فقط سيغلق ملف الفتنة الطائفية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف