الوطن
أحمد الخطيب
قاتل السفير الروسى وانتحارى «البطرسية».. وجهان لتطرف واحد!
لا يعرف التطرف شكلاً أو هيئة أو سمة مميزة، قد يبدو المتطرف وسيماً وحليقاً وأنيقاً أحياناً، أو قبيحاً وبلحية كثة وملابس مهلهلة، يتجمل أو يكشف بشاعته، لا يُبالى، فكل ما يشغله أن يقبض «روحك»، وفيما يحدثك عن القرآن والجهاد وثواب الآخرة، يقبض هو«الثمن» فى الدنيا! لا يجد غضاضة فى أن يتلون كـ«الحَرِيبُ»؛ مرَّة «حرية وعدالة» أو«عدالة وتنمية»، وأخرى «داعش» و«النصرة»، فكل الجماعات والتنظيمات والمجموعات «مساحيق تبرج» يضعها الإرهاب على وجهه الآثم، يغوى بها التائهين والحيارى وضعاف الفكر والجهلاء.

فوجئ الأوروبيون والعالم بالصورة التى بدا عليها قاتل السفير الروسى فى أنقرة، إذ ظهر مرتدياً بذلة عصرية برابطة عنق أنيقة، لاغياً الصورة الذهنية التى ترسخت لدى الأوروبيين عن الإرهابى ذى الجلباب والبنطال القصير، وكان القاتل هذه المرة حليقاً أنيقاً، ولم يكن ملتحياً صاحب لحية كثيفة تتدلى على صدره وليس فى وجهه علامة صلاة تميزه عن باقى البشر وترفعه عليهم فى نظره إلى أعلى عليين!

فى الشرق نعرفهم بسيماهم، «وجه عبوس يعبث فى أرواح البشر، يتسلل كحية رقطاء بين المصلين ليقتلهم قبل أن يصلى هو ركعتين»، أما فى قلب أوروبا فهو صاحب وجه صبوح يقتل آمناً من خلف ظهره قبل أن يشهر عليهم مسدساً لينشد أبيات الجهاد دون أن يذكرنا بالرسول الذى جاء رحمة للعالمين. المتأمل فى قاتل السفير الروسى سيجد أن «الإسلاميين»، ليس بينهم «معتدل» وآخر «متطرف»، كما تقول نظريات مراكز البحث الأوروبية والأمريكية التى زفت إلى حكوماتها، قبل سنوات هذا التقسيم بين جماعات «الإسلام السياسى»، لتتبنى هذه الحكومات سياسة فرض «المعتدل» على بلدان الشرق الأوسط فى ثورات الربيع العربى، إذ ترى هذه النظرية أن تنظيمات «القاعدة وداعش وأخواتها» تمثل القسم «المتطرف» منها، فيما يمثل تنظيم الإخوان «المعتدل»! وبالنظر إلى حادث اغتيال السفير الروسى على يد أحد ضباط وزارة الداخلية المنتمى إلى حزب «العدالة والتنمية»الحاكم بتركيا، الذى هو إحدى الأذرع السياسية للتنظيم الدولى للإخوان، سنجد القاتل بحسب النظرية البحثية، خرج من التيار المعتدل، فيما ترى نفس النظرية أن انتحارى الكنيسة البطرسية فى مصر، خرج من التيار المتطرف، رغم أن الفعل واحد وهو «اغتيال سياسى» وقتل النفس التى حرم الله فى الدين الإسلامى وكل الديانات.

النظرية المصرية المنبثقة من أرض الواقع وليس من الشبكة العنكبوتية، أو من خلف بيانات أجهزة الحاسوب تقول إن القتلة يخرجون من مشكاة واحدة، ليس بينهم معتدل ومتطرف، جميعهم قتلة وإرهابيون، الآن أو إلى حين، لأنهم يؤمنون بأفكار جماعية يختلف فيها الشكل وتوقيت التطبيق من تنظيم لآخر، وربما ساعد وصف الإخوان بـ«الاعتدال» لدى هؤلاء فى الحالة المصرية تحديداً هو قوة الدولة وشكيمتها عليهم طوال 40 عاماً، لكن الأوروبيين لم تخبرهم الشبكة العنكبوتية وقواعد البيانات لديهم، عن كيفية انتقال هؤلاء إلى مربع التطرف والراديكالية بعد وهن الدولة عقب ثورة 25 يناير مثلاً، ولا كيف صاروا «دواعش» حقيقيين بعد أن ثار المصريون على الرئيس محمد مرسى وخلعوه، كما خلعوا من قبله الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

الآن يرى الأوروبيون أن قاتل السفير الروسى لم يحمل حزاماً ناسفاً، ليخفى أشلاءه بين أشلاء الجثث، أو يضع قنبلة فى خلسة ثم يذوب بين سكان أنقرة، بل كان أكثر انتحارية ودموية عندما وقف بهيئته العصرية على جثمان الضحية عقب قتله من الخلف بخسة ونذالة، صائحاً «الله أكبر» فى تشبيه مماثل للقتلة الأوائل من صدر الدولة الإسلامية الذين كانوا ينتزعون أكباد قتلاهم قبل أن يلوكوها غلاً وانتقاماً!

يقولون إن الاستبداد والكبت السياسى فى بلاد الشرق الأسط يخلق بيئة الإرهاب والتطرف، فهل كان الضابط القاتل المنتمى إلى الحزب الحاكم منذ 13 عاماً، يعانى كبتاً سياسياً أو استبداداً أم أن انضمامه لجماعة دينية محظورة هى «الإخوان» جعل منه قاتلاً لقاء أفكاره الإرهابية، التى هى أصل الداء؟ ويبقى تساؤل آخر، هل الفرنسيون والأمريكيون والألمان والبريطانيون والبلجيكيون والكنديون الذين ينضمون لساحات القتال فى سوريا والعراق تحت لواء «داعش والقاعدة والنصرة والإخوان»، ومن ينفذ منهم عمليات انتحارية وتفجيرية فى عواصم بلادهم أيضاً يعانون استبداداً وكبتاً سياسياً؟

الأزمة الحقيقية تتلخص فى تفاسير كتب التراث للإسلام التى أنتجت فقه «الجماعة والتنظيم» السياسى، الذى يحاسب البشر ويعاقبهم قبل أن يقترف جرائم انتزاع أرواحهم، لا يختلف فى ذلك من يعيش فى الفيوم أو أنقرة، الموصل أو نيس، فى حلب أو برلين، من يرتدى جلباباً قصيراً وذو لحية، أو من يرتدى زياً عصرياً، من يصيح «الله أكبر» بلهجة عربية فصيحة مُفخمة، أو من ينطقها مُكسرة على طريقة الإرهابى التركى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف