المصرى اليوم
سامى عبد العزيز
أوبئة مصرية!!
لكل دولة فى هذا العالم أوبئتها الخاصة بها، والتى يمكن من بعيد رؤيتها بوضوح، وتمثل نقاط ضعف أساسية فى طريقها إلى الانحلال والتفتت.. ولعل هذا ما قصده ابن خلدون عندما أشار إلى أن الأمم تفنى «وكأن لسان الكون نادى بالخمول فاستجاب»، وعلى حد تعبير ويل ديورانت فى كتابه قصة الحضارة : «فإن الحضارات الكبرى لا تفنى بفعل عوامل خارجية بل لأسباب تتعلق بداخلها».. وإجمالاً فكل منهما (ابن خلدون، وديورانت) يشير إلى الأمراض الاجتماعية التى تعجل بفناء الدول، أو على الأقل تضعفها، وتجعلها غير قادرة على الوفاء بمتطلباتها الحياتية الرئيسية.

الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى الأكبر فى هذا العالم، وصاحبة أقوى اقتصاد وأقوى جيش، وأكبر جامعات ومراكز بحثية، تعيش فى الفترة التى يسميها عديد من المفكرين «مرحلة الانحسار والزوال Decline Era» والسبب تفشى كثير من الآفات الاجتماعية والأمراض المجتمعية، منها الانحلال الخلقى، والتفكك الأسرى، والمادية الطاغية فى سلوكيات كثير من أفرادها، والانتهازية، والغرور وغيرها.. الحال كذلك، يمكن تلمسه فى كثير من المجتمعات التى هوت بعد صعود، وذلت بعد عزة.

فى مصر الحبيبة، كثير من البوادر، وعديد من الأعراض، التى لو لم نستطع حصارها ومواجهتها وهى فى بدايتها ستكون وبالاً علينا.. الرئيس عبدالفتاح السيسى أشار إلى بعضها عرضاً وهو يتحدث فى مؤتمر الشباب الشهرى عن التعليم فى الخارج، وعن الانضباط الذى عليه الشعوب الأخرى.. وهو المعنى الذى أكده الدكتور أحمد عكاشة الذى أشار إلى أن الأخلاق مفضلة على العلم.. وأن الأوبئة الأخلاقية أشد ضرراً من مثيلتها الصحية أو التعليمية.

من أمراضنا الاجتماعية البارزة الميل إلى الادعاء، والفشخرة بما لا تملك، والتظاهر بما ليس فيك.. كلنا أبوالعريف الذى يستطيع أن يفك طلاسم حجر رشيد من أول نظرة، ويستطيع فك الشفرة الوراثية من أول نفس فى السيجارة، ويستطيع أن يعلم بواطن الأمور من أول سطر فى الجواب.. تأخذ أحداً معك يزور مثلا مركز مجدى يعقوب بعد رابع زيارة يقول لك إنه يستطيع أن يجرى عملية قلب مفتوح.. طبيب شاب لم يتجاوز عمره 27 عاماً تتم استضافته فى كثير من البرامج، وهو يشير بكل ثقة إلى أنه أجرى عمليات قلب مفتوح مع الدكتور يعقوب، وأنه حاصل على شهادات دكتوراه من أربع جامعات دولية، والمفاجأة عندما يعلن الدكتور يعقوب أنه لم يرَ هذا الشاب فى حياته، وعندما نكتشف أنه لم يغادر مصر يوماً واحداً.. منتهى البجاحة!!

ادعاء الخبرة فى مصر لا تحتاج إلى سنوات عمل، بل إلى سنوات من الفهلوة.. تتم دعوة شخص فى مجال خبرة ما وقبل أن يعرف ما المطلوب منه وقبل أن يعرف ماذا سيقدم هو يبدأ حواره بالتقطيع فى كل من يعمل فى هذا المجال حتى يكون هو الخبير الأوحد.. فكرة هدم الآخرين، وادعاء أن كل واحد فينا هو «الألفة» والباقى والعدم سواء موجود فى كل المهن المصرية.. استدعِ سباكاً وانظر ماذا سيقول عن تصليح غيره.. اطلب نجاراً وانظر ماذا سيقول عن غيره.. استدعِ أستاذا جامعياً وانظر تسفيهه لزملائه.. نحن كلنا أوائل، غيرنا لا يفقهون شيئاً.

نحن لا نتعلم من أخطائنا ولا من أخطاء الغير.. ونرى الأذى فى عيون الناس ولا نرى الخشب الذى فى عيوننا على حد تعبير السيد المسيح.. نحتاج إلى صحوة لمعالجة أمراضنا الاجتماعية قبل أن تتحول إلى أوبئة فتاكة كما فعلت بكثير من الشعوب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف