البديل
محمد حماد
لقاء مفاجئ بين عبد الناصر والناصريين في متحفه بالمنشية
كان الصديق العزيز الكاتب الصحفي عبد الله السناوي (آخر رؤساء تحرير جريدة العربي المعتبرين) هو صاحب الاقتراح بتكليف عدد من الأدباء والمبدعين الكبار كتابة صورة قلمية متخيلة للقاءات مفترضة مع جمال عبد الناصر..
اقترح أولاً على أسطى الكتابة الدرامية التليفزيونية أسامة أنور عكاشة أن يكتب عن لقاء مفترض له مع عبد الناصر يناقشه فيها حول أفكاره المستجدة وقتها عن العروبة والقومية العربية، ثم اقترح على المبدع الكبير محفوظ عبد الرحمن أن يكتب تحت عنوان: “عبد الناصر يعود لحكم مصر”، يتصور فيه ويصور لنا كيف تكون قرارات الرئيس العائد، وما هي أول وأهم إجراءاته التي سوف يتخذها حال عودته المرتقبة، وكان من بين اقتراحات السناوي على الأديب الكبير علاء الأسواني أن يكتب عن لقاءٍ يتم بين جمال عبد الناصر وحسني مبارك يدور الحديث فيه عن أوضاع مصر تحت حكم مبارك.
وكم تمنيت أن أقترح على الصديق السناوي أن يفسح المجال لمن يختار عدداً من القيادات الناصرية لكي يكتب كل واحد منهم صورة قلمية متخيلة للقاء يجمعه مع عبد الناصر، ويدور الحوار فيه عن أوضاع الأمة، والأوضاع في مصر، وأوضاع القوى والتيارات السياسية، وطبعاً لن ينتهي الحوار بينهما قبل أن يتطرق إلى أوضاع الناصريين في مصر.
وإذا جاز لي أن أطور اقتراحي اليوم فإني أتصور إمكانية أن يجمع اللقاء المفترض أكثر من قيادة ناصرية حتى لا يُضطر الزعيم إلى إجراء الكثير من اللقاءات، بدون ضرورة توجب ذلك، بينما يمكن بسهولة جمع أكبر عددٍ من قادة الناصريين، يطرح كل منهم بإيجاز ووضوح إجابته على أسئلة الرئيس عبد الناصر، ولست أشك في أن أحداً ممن سوف يستدعون للقاء مثل هذا يمكنه أن يرفض اللقاء أو يتلكأ في الحضور إليه.
ليس مهماً أن يجري اللقاء في أيٍ من مقار الحزب الناصري، وطبعاً لن يكون مقبولاً أن يتم اللقاء المتوقع في مقر أي جماعة حزبية أخرى تضم بين قياداتها بعضاً من رموز الحركة الناصرية، وقد برز اقتراح بأن يكون مقر الاجتماع في الدور الحادي عشر من فندق هيلتون النيل، الذي شهد الساعات الأخيرة من نضال جمال عبد الناصر من أجل وحدة الصف العربي، ودفع حياته ثمناً لكي يحافظ عليها رغم الاختلافات والتباينات الكثيرة الناشبة في المحيط العربي وقتذاك.
مكان آخر يمكن يصلح ليكون مقراً لمثل هذا اللقاء، على كورنيش النيل أيضاً، في مبنى قيادة الثورة، ذلك المكان الذي شهد السنوات الأولى من ثورة يوليو، ومحفور على جدرانه تلك الساعات الطويلة التي كان يقضيها عبد الناصر في هذا المبنى الذي كان لا يغادره إلا ليعود إليه في تلك السنوات الباكرة من عمر الثورة.
مكان ثالث يمكن أن يجمع لقاء الناصريين بجمال عبد الناصر في منزله بمنشية البكري الذي قضى فيه سنوات رئاسته كلها بدون أن يغيره، أو يضيف إليه إلا القليل من التحديثات التي فرضتها حالته الصحية مثل تركيب مصعد للدور الثاني، كانت كل حياته هناك، فيه بيته وزوجته وأبناؤه، وفيه مكتبه، وفيه استقبل رؤساء وقيادات عربية ودولية معتبرة في زمانه، وفيه كان يسهر حتى قبيل الفجر ينتظر قدوم آخر جندي عبر خلف خطوط العدو في سنوات حرب الاستنزاف العظيمة.
لا شك أنه من المعيب أن نثقل على الرجل فنلزمه الذهاب إلى أكثر من مكان، رغم علمنا أنه سوف يطلب في النهاية أن يطمئن على أحوال أبنائه وعائلاتهم، ولذلك تبرز ميزة المكان الثالث المقترح للقاء عبد الناصر فهو أولاً بيته، وهو الآن متحف يحمل اسمه، ويستطيع أن يجد فيه ألفة يمكن أن يفتقدها في غيره من الأماكن، وأخيراً يمكنه أن يلتقي فيه بأبنائه وأحفادهم.
وأتصور أنه لا لزوم لوضع بروتوكول مخصص لهذا اللقاء المفترض أن يكون حميمياً، غير أني اقترح أن يحدد لكل متحدث وقتاً محدداً يلتزم به ويطرح خلاله رؤيته، ويجيب فيها على ما قد يستفهم عنه الرئيس، ويبدأ الحديث من على يمين الريس حتى تنتهي دورة المتحدثين.
طبعا سيكون ترتيب الجلوس على حسب الأقدمية، وهو أمر يحدده الرئيس بنفسه، أو طبقا لقرارات جمهورية صادرة فيما سبق.
جدول الأعمال مفتوح، وموضوعاته متعددة، تبدأ بعرض سريع لكل ما جرى في مصر من أول انقلاب السادات على كل توجهات وسياسات وانحيازات جمال عبد الناصر، مروراً بحرب أكتوبر 1973، وما حققه تلاحم الجيش والشعب من معجزة بكل المقاييس، ثم بقوانين وقرارات الانفتاح الاقتصادي الذي فتح الطريق إلى تعديل توجهات السياسة المصرية في الداخل والخارج، ذلك التعديل الذي انتهى ببيع القطاع العام وظهور القطط السمان ومن بعد الحيتان الناهبة لثروات البلد، وبالصلح والاعتراف بالعدو الصهيوني واتفاقيات كامب ديفيد، ومقتل السادات على منصة العرض العسكري في ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، ومن ثم تولي حسني مبارك للسلطة والمحطات الرئيسية في ثلاثين سنة من الركود والجمود.
ولا شك أن الحدث الأبرز الذي سوف يتوقف عنده الرئيس هو اندلاع ثورة الشعب في يناير سنة 2011، وما جرى بعدها حتى استلام الإخوان للحكم، ومن بعد ما جرى في 30 يونيو سنة 2013، ثم اعتلاء عبد الفتاح السيسي دكة الحكم في سنة 2014، وكشف سريع لمواقف القوى السياسية من كل هذه الوقائع والأحداث.
الموضوع الأبرز على جدول الأعمال بعد هذه الجردة الطويلة من الوقائع ستصب بالضرورة وبطبيعة اللقاء على مواقف الناصريين وأوضاعهم وموضع أقدامهم اليوم ..
ولست أشك في أن السؤال الذي لاشك سيؤرق كل هؤلاء المدعوين إلى لقاء مفاجئ مع الرئيس عبد الناصر هو:
ـ مَنْ مِن هؤلاء جميعاً يملك شجاعة الحديث “الصريح” عن أوضاع الناصريين الحالية أمام الرئيس؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف