فيتو
حسين متولى
المتلاعبون بالعقول في قضية مجدى مكين
خيرًا فعل محامو مصر حينما شكلوا هيئة للدفاع عن المواطن مجدي مكين الذي تحقق نيابة غرب القاهرة الكلية في واقعة وفاته، على خلفية القبض عليه واقتياده وآخرين إلى داخل قسم شرطة الأميرية، وجعلوا من محتوى التحقيقات التي لم تصل بدقة من قبل إلى الرأي العام، إضافة حقيقية إلى الوعي الغائب عن كثيرين بشأن قضية، اغتال متلاعبون بالعقول حقوق أطرافها.

تشكيل هيئة الدفاع التي تابعتُ بيانَها الأول قبل ساعات، يؤكد بالضرورة عودة لجان حماية الحريات للنشاط، ويدعو إلى التفاؤل باستعادة دور الرقابة الشعبية على أماكن تقديم خدمات المواطنين، وأقسام الشرطة ومقار الاحتجاز.

البيان أكد أن المحامين كرجال قانون "مؤتمنون على حق المجتمع وحق المجني عليهم، وأن حق المتهمين في قضية التعذيب مصان لدى النيابة العامة وهيئة الدفاع حتى يتم تقديم القاتل لمحكمة الجنايات، لتثأر للمجتمع من كل من يسيء لأي مواطن"، وهو تأصيل جيد لموقف أصحاب مسئولية يقدرون خطورة ظرف ملتبس بشدة.

الظرف ازداد التباسًا وغموضًا مع إصرار أطراف تداخلت مع تفاصيل الواقعة، على أن تحل محل جهات التحقيق التي نفتقد بياناتها وينتظر الرأي العام قراراتها، وأهمها يُبنى على تقرير الصفة التشريحية للأطباء الشرعيين، تلك الأطراف ظهرت لحسابات تحكم خطواتها، رغم غياب تأثير إيجابي لأدوارها الأساسية عبر مواقعها.

تلاقت إرادة هذه الأطراف مع أهداف صُناع تمييز لا تحتمله القضية، واتجار مشبوه بدماء "عم مجدى"، تطور بحماقة الكذب إلى طعن في سمعة آخرين جرى تصويرهم على أنهم على صلة بمعاون مباحث الأميرية النقيب كريم مجدى، المتهم في القضية.

وكثيرون لا يعلمون أن والد هذا الضابط "الحقيقي"، لا يشغل موقعًا أو منصبًا بالمرة يمكن وصفه بـ"الضاغط" على جهة بعينها، أو أشخاص لتغيير مجرى التحقيقات أو التأثير بقوة في نتائجها، وكم كتبت من هنا عن تجاوزات وجرائم بأقسام القاهرة، دون انتباهي لعبقرية من منحوا والده حصانة برلمانية من وحي خيالهم المريض.

في أزمة قضية وفاة "عم مجدي" داخل قسم شرطة الأميرية، تعقدت الأمور بـ"شو نواب اليقظة المؤقتة"، واستمرار استخدام روايات "صُدفة الموت" داخل أقسام شرطة، وتأخر صدور بيان رسمي "واضح" و"مدقق" من قبل وزارة الداخلية بشأن تفاصيل الواقعة وتحقيقاتها كجهة عمل لتابعها، وجهل إعلامي وصحفي بالفرق بين تقرير طبي مبدئي حول "سبب الوفاة" صادر عن المستشفى لتسهيل إجراءات دفن الجثة، وتقرير الطب الشرعي الذي تأخر صدوره، وأوضحت لجنة الدفاع في بيانها بوعي قانوني طريقة وإمكانية الطعن عليه حال صدوره.

قضية "عم مجدي" تفضح أزمة أكبر تعانيها صحافة الحوادث في مصر، تتعلق بطريقة نشر البيانات الإعلامية الرسمية حول وقائع موت مواطنين أثناء القبض عليهم أو احتجازهم، وربما جرائم أخطر مما تسوقها إلى المحررين، تستوجب تحقيقًا أكبر، ليس أقلها استعمال القسوة والتعذيب أو القتل خارج القانون وتلفيق اتهامات لضحايا أبرياء، وهو دور للصحفي يدفنه التكاسل أو التواطؤ أو الإهمال، ويعزز غيابه تنافس الصحف الإلكترونية على أسبقية النشر، الذي حول محررين إلى "مراسلة".

كما تفضح فوضى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التعرض لقضايا هامة، بينها الحق في سلامة الجسد، والحياة، فلا ميثاق يحكم التعامل مع حدث أو سيرة، ولا اعتذار عن جريمة إساءة أو نشر لأكاذيب، وهو الحال مع مواقع إلكترونية وبرامج فضائيات، لم تدقق في تناول تفاصيل الواقعة على الأرض، ولم تراعِ حق "متهم" بحكم القانون، لا تعزز فرص الإساءة إليه إلا سيرة لأقسام شرطة أو مقار احتجاز، وطرق إدارتها وغياب الرقابة القضائية الدورية عليها.

لم يذكر هؤلاء وأولئك "عم مجدى" بدعوة تليق بحضوره الآن بين يدي خالقه، رحمه الله، ولو أن روحه أُزهقت بفعل بشر، سيكون عقابهم في الدنيا حاضرًا، وعند الله المنتقم أكبر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف