الأخبار
أحمد طه النقر
وماذا عن أدوات ومحفزات الإنتاج؟
الآن .. وبعد تنفيذ شروط صندوق النقد ورفع أسعار الوقود و»‬وقوع الفاس في الراس»، يقول لنا دراويش الصندوق المتحكمون في إدارة شئون الاقتصاد منذ انفتاح »‬السداح مداح» إن كل ذلك لن يحل المشكلة وينقذ الاقتصاد وإنه لا بديل عن الإنتاج.. ثم الإنتاج لتوفير الدولار والعملات الصعبة وتعزيز مركز العُملة الوطنية.. وعليه فإن الشعب الذي تحَمَّل صدمة تعويم الجنيه بكل قسوتها ويكاد يختنق قهراً وفقراً، مُطالب بالتخلي عن »‬كسله» والتفرغ للإنتاج لإنجاح »‬وصفة» أو »‬روشتة» الصندوق.. ورغم معارضتي القديمة والمعروفة لكل السياسات الاقتصادية القائمة علي توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين لأنها تنحاز للأغنياء علي حساب الفقراء علي طول الخط، إلا أنني مع الإنتاج في كل وقت.. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو »‬مَن الذي يملك أدوات الإنتاج وتسهيلاته ومُحفِزاته»؟.. وأعتقد أن الإجابة الوحيدة تقول »‬وحدها الدولة ممثلة في الحكومة هي مَن تملك ذلك».. وهناك طريقان لا ثالث لهما لإنتاج سلع تحقق الاكتفاء الذاتي فيقل الاستيراد وتتقلص حاجتنا للعملة الصعبة ثم نصِدر الفائض منها لكسب المزيد من هذه العملة وتحسين الميزان التجاري.. إنهما الصناعة والزراعة.. النشاط الأول يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة التدمير والتصفية الممنهجة لمصانع وشركات القطاع العام رضوخاً لضغوط سابقة من الصندوق.. فبعد أن كنا بلداً صناعياً نامياً وناهضاً نصنع كل احتياجاتنا مِن الابرة إلي الصاروخ، صرنا نستورد كل شيء تقريباً.. ولو كانت الدولة ومستشاروها النافذون من دراويش وتلاميذ الصندوق جادين في تشجيع وزيادة الإنتاج فما عليهم سوي فتح آلاف المصانع والشركات المغلقة وخاصة تلك التي استردتها الدولة بأحكام قضائية نهائية ولكنها تُركت مغلقة لتظل العمالة بها عاطلة ولا تكتفي بتقاضي رواتبها من اللحم الحي وإنما تُصر علي تقاضي الأرباح والحوافز وتتظاهر احتجاجاً إذا لم تحصل عليها!!.. فلو أعدنا تشغيل وتطوير شركة مصر للألبان لما تعرضنا لأزمة لبن الأطفال.. ولو لم ندمر ونهمل شركات الأدوية لكنا حافظنا علي ريادتنا في هذه الصناعة - التي تخلفنا فيها حتي عن الأردن ودول الخليج - بدل التعرض لأزمة حادة تهدد حياة المواطنين وتضر بالأمن القومي.
ثم نأتي للمصدر الأهم والمضمون للإنتاج وهو الزراعة التي سددت لها القرارات الاقتصادية الأخيرة ضربة تكاد تكون قاضية نتيجة زيادة أسعار السولار الذي يستخدمه المزارعون في الري وتمهيد الأرض والحصاد.. وكذلك رفع أسعار البنزين 80 الذي يستخدم في نقل البشر والمحاصيل وأدوات الإنتاج.. وكان لا بد أن يصرخ الفلاحون بأعلي أصواتهم للإبقاء علي آخر أمل لهم في زراعة الأرض قبل الاضطرار لهجرها وبيعها بعد أن تركوها »‬بوراً» في السنوات الأخيرة بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار التقاوي والأسمدة والسولار والبنزين، فما بالنا بالحال بعد صدمة الطفرة الأخيرة في الأسعار؟.. هذا معناه أيها السادة التوقف عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والقطن وقصب السكر لتقفز فاتورة الاستيراد إلي أرقام خيالية ويتعرض الأمن القومي لانكشاف خطير وغير مسبوق.. والفلاحون بالذات ليس لهم إلا الأرض وزراعتها و»‬العيش» عليها لأنهم لا يحصلون علي مرتبات يمكن زيادتها بالحوافز والعلاوات كما يحدث مع الموظفين، ناهيك عن أن »‬آفة التوريث» التي كرسها المخلوع مبارك تحرم أبناءهم من حظوظ أبناء العاملين وأولويتهم في شغل الوظائف العليا والدنيا ليظل الفلاحون في قاع المجتمع ويدفع الوطن غالياً ثمن هذا الإهمال والظلم المستمرين منذ »‬شكاوي الفلاح الفصيح».
وأقول لمَن يطالبون الشعب بالتفرغ للإنتاج ويتطاولون عليه باتهامه بالكسل: »‬قليلاً من الخجل.. ووجهوا خطابكم لمَن يملك أدوات ومُحفِزات الإنتاج.. أي الحكومة والبرلمان النائم في العسل والذي لا عمل له سوي مباركة ذبح الغلابة والفلاحين بسكين الصندوق».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف