الأهرام
سلوى العنترى
المواجهة الاقتصادية للإرهاب
الإرهاب يهددنا دولة وشعبا. الحرب الدائرة على الإرهاب تدفع الجميع إلى البحث فى سبل المواجهة الشاملة لذلك العدو. المواجهة العسكرية ضرورة حتمية لا يختلف عليها اثنان، تتصدى لها قواتنا المسلحة ببسالة، ويدفع فيها الشعب ضريبة الدم من أرواح أبنائه. ولكن الجميع يشعر بأن المواجهة الشاملة لهذا الخطر تتطلب تجفيف منابع الإرهاب، وتحصين المجتمع بحرب استباقية على كل العوامل التى يمكن أن توفر بيئة مواتية لظهور ونمو التطرف والعنف المؤدى للإرهاب، سواء تمثلت فى عوامل اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو أيديولوجية.

كثير من الاقتصاديين، وأنا من بينهم، يرون أن الفقر والبطالة وانعدام تكافؤ الفرص والتهميش الاجتماعى والتفاوت الصارخ فى توزيع الثروة يوفر أرضية خصبة لنمو الاحتقان والاغتراب ويزيد من فرص الاستجابة لدعاوى التطرف والعنف. فكلما تزايد عدد من لا يجدون قوت يومهم ويفقدون الأمل فى غدهم وتتملكهم مشاعر المرارة والسخط على كل ما حولهم، توافرت للجماعات الإرهابية فرص أعلى للعثور على من يستجيب لعرض عمل يوفر له دخلا، حتى ولو كان ذلك العمل هو القتل والتدمير.. فما بالك لو كان العرض يوفر له عملا فى الدنيا ويبشره بالجنة فى الآخرة!

أتصور أن أحد السبل الرئيسية لتجفيف منابع الإرهاب يتمثل فى تنمية اقتصادية يقع فى القلب منها تحقيق العدالة الاجتماعية. صحيح أنه لا يمكن إنكار الدور المهم الذى تقوم به مشروعات مثل إحلال العشوائيات الخطرة والقضاء على فيروس سى والإسكان الاجتماعى والبدء فى بناء شبكة حماية اجتماعية لغير القادرين على العمل. إلا أن تجفيف منابع الإرهاب يتطلب تغيير الواقع الحالى الذى يتسم بارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتفاوت المروع فى الدخول والثروات ومستوى إتاحة الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة. يتطلب البدء فى تنمية اقتصادية شاملة تستهدف ليس فقط تحقيق معدلات مرتفعة للنمو، بل أن تئؤل نتائج وثمار تلك التنمية إلى غالبية الشعب. تنمية تقوم على الانحياز لمصالح القاعدة العريضة من المواطنين عند اتخاذ كل سياسة اقتصادية وعند الاختيار بين البدائل المختلفة لتنفيذ تلك السياسات. التنمية الاقتصادية القائمة على العدالة الاجتماعية تتطلب التوزيع المتكافئ للاستثمارات والخدمات العامة والتعليم والرعاية الصحية فى كل ربوع الوطن. تتطلب توفير الفرصة المتكافئة للجميع للعمل والترقي، والحصول على دخل يكفل للمواطن الحياة الكريمة، ويكون أساسا لحصوله على نصيب عادل من الثروة. تتطلب بناء شبكة حماية اجتماعية تكفل لغير القادرين على العمل استمرار الحصول على الحاجات الأساسية. تتطلب القضاء على المحسوبية و الفساد وكل صور التمييز. تتطلب بناء منظومة تعليمية وثقافية تصل إلى كل أنحاء الوطن تستهدف رفع مستوى الوعى والقدرة على التفكير وإعمال العقل.

أتصور أيضا أن أحد السبل الرئيسية لمواجهة الإرهاب يتمثل فى تجفيف منابع تمويله. وهنا لابد من القول بأن لدينا بالفعل الإطار القانونى والمؤسسى اللازم لخوض تلك المعركة. لدينا قانون لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، يتضمن كافة أنواع المؤسسات المالية التى يمكن أن تمر من خلالها مصادر تمويل الإرهاب فى الداخل والخارج، بما فى ذلك البنوك وشركات الصرافة وشركات نقل الأموال وشركات التأمين وشركات السمسرة والأوراق المالية العاملة فى البورصة. منظومة المؤسسات المخاطبة بالقانون يقع على رأسها وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهى وحدة مستقلة بالبنك المركزى المصري، تتولى القيام بالتحريات المالية وتلقى الإخطارات عن العمليات المالية المشبوهة، بما يمكن من ملاحقتها، واتخاذ الإجراءات القانونية التى تكفل مصادرتها. لدينا أيضا اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتبادل المعلومات بين وحدات التحريات المالية فى مجموعة من الدول العربية والأجنبية يصل عددها حتى الآن إلى 61 دولة على الأقل.

المطلوب تفعيل منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتتبع أموال الإمبراطورية الاقتصادية للمنظمات والجماعات التى تم تصنيفها محليا أو دوليا ككيانات إرهابية، كى تلتزم كافة وحدات التحريات المالية فى الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات بحظر التعامل معها، والإخطار بما لديها من أموال لهذه الكيانات، ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية لمنع التصرف فيها وتجميدها. المطلوب أيضا تتبع أموال التبرعات التى ترد إلى الجمعيات الخيرية والدينية، ولا سيما التبرعات الواردة من الخارج، والتى يمكن أن تجد طريقها لتمويل العمليات الإرهابية.

التنمية الاقتصادية وتجفيف منابع التمويل ضرورية لمواجهة الإرهاب، إلا أنه لا بد من الاعتراف بأنها لن تقوى على مواجهة العوامل الأيديولوجية المغذية لذلك الإرهاب، مادمنا نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى فى حين أن كل من يجرؤ على التفكير، وطرح التساؤل يكون مصيره السجن بتهمة ازدراء الأديان!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف