صباح الخير
جيهان أبو العلا
الشهيد الحى.. عبدالجواد سويلم بطولة غير مسبوقة فى تاريخ العسكرية
البطل عبدالجواد سويلم.. لحظة من فضلك حتى لا تأخذك ذاكرتك السينمائية للوهلة الأولى إلى محمد أبوسويلم بطل فيلم الارض لكاتبه الكبير عبدالرحمن الشرقاوى.. صحيح المشترك بينهما هو الاسم «سويلم» لكن أبوسويلم بطل القصة السينمائية جسد لنا معنى البطولة والرجولة والدفاع عن الأرض والعرض من خلال قصة نسجها خيال مؤلفها، لكن عبدالجواد سويلم بطلنا الحى الذى يعيش بيننا بنصف جسد بعد أن دفع نصفه الآخر دفاعا عن الأرض والوطن كله فهو أسطورة تجلت فى تفاصيلها أكثر من معجزة إلهية لتثبت أن الواقع أحيانا ما يفوق خيال أى كاتب، فإذا كان محمد أبوسويلم السينمائى هو رمز فإن عبدالجواد سويلم فاق فى رمزيته وتضحيته ما جاء فى خيال كاتب القصة السينمائية وإن كان الأول هو الأكثر حظاً من الثانى لأنه وجد من يخلده فى عمل يعيش فى ذاكرة الأجيال.. أما عبدالجواد سويلم بطل حرب الكرامة واستعادة الأرض فلم يجد من يخلد بطولته رغم مرور 47 سنة على الحرب.
عبدالجواد سويلم هو قصة بطولة من بطولات حرب الاستنزاف تلك الحرب التى ظلت دائرة ثلاث سنوات وكانت هى الجسر لنصر أكتوبر المجيد ولم نلتفت لبطولاتها كثيرا، هوالشهيد الحى كما أطلق عليه الزعيم جمال عبدالناصر يعيش بيننا ونصف جسده تقريبا سبقه إلى مقابر الشهداء «ساقان وذراع وعين».
نصف جسد أو مشروع شهيد على فراش الموت، لكنه اعطى جمال عبدالناصر دفعة الأمل فى النصر وهو ما جعله يقول لوزيره: طالما الروح دى موجودة هاننتصر يا فوزى!
ويعيش معنا بالنصف الآخر ،كأن إرادة الله شاءت ألا يستشهد كغيره ليبقى بيننا تجسيدا حيًا لمعنى التضحية والفداء وليحكى لأجيال متعاقبة نوادر من بطولته ومعجزة ربنا المتمثلة فيه ،كأن روحه الجميلة أكملت ما انتقص من جسده فتعالى على النقص والفقد الجسدى.. وما أكثر من يعيشون بيننا بكامل الصحة واللياقة الجسدية لكن أرواحهم ميتة!!
هو يعد بكل معنى الكلمة أسطورة حقيقية فى زمن تبدلت واختلفت فيه المعانى والمعايير والقيم بل ومعنى الرمز.
فإذا حاولت أن تسأل الشباب أو تكتب على مواقع البحث عن معنى أو من هو الأسطورة ستظهر لنا الإجابة الفورية محمد رمضان أو ناصر الدسوقى!!
كتيبة «صباح الخير» كانت محظوظة باستضافة هذا البطل وقائده اللواء زكى عيدإبراهيم اللذين ارتبطا بقصة بطولة نسجا سويا تفاصيلها أثناء المعركة وتطورت لعلاقة إنسانية مستمرة حتى الآن.. وفى ندوة طويلة صدر لنا البطل وقائده كما من الطاقة الإيجابية والمعنوية والثقة ومعانى كثيرة أهمها الامتنان والإيثار والحب الحقيقى ومعنى كلمة تضحية بجد.
رحب رئيس التحرير «جمال بخيت» بالأبطال قائلا:
اثنان من أعظم وأجمل رموز الوطنية المصرية، ونحن نحتفل بأعياد أكتوبر، ونستعيد لحظاتها العظيمة، ونستعيد أيضا تفصيلة عظيمة مهدت لحرب أكتوبر وهى حرب الاستنزاف، ففى حرب الاستنزاف سجلت العسكرية المصرية الآلاف من البطولات الخارقة بكل ما تعنيه الكلمة، وللأسف فإن الكثير من أصحاب هذه البطولات رحلوا قبل أن نحفظ لهم اسما أو نرسم لهم ملامح، ونحن اليوم نتعرض لواحدة من أعظم هذه القصص البطولية والأسطورية فى تاريخ العسكرية فى العالم وليس العسكرية المصرية فقط، وهى قصة الشهيد الحى- الجندى عبدالجواد سويلم.
• قصص البطولة
كان من الممكن أن تتوقف البطولة عند الشهيد فقط لولا بطولات أخرى أسهمت فى إضافة صفة «الحى» إلى صفة الشهيد، ومن أهم هؤلاء الأبطال: اللواء عيد زكى الذى كان ملازما أول فى يوم 20 يوليو 1969 يوم حدوث قصة الشهيد الحى.
بدأ اللواء عيد زكى بسرد تفاصيل ذلك اليوم، والمهام التى كان الأبطال مكلفين بها، قائلا: قبل أن أبدأ كلامى أحب أن أوجه تحية لكل شهداء العسكرية المصرية الذين فاضت روحهم، وروت دماؤهم أرض سيناء الحبيبة.
وأنا أجلس بينكم الآن أتذكر يوم 20 يوليو 1969 الذى حدث منذ 47 عاما وشهرا وسبعة أيام حين كلفت وحدة قتالية من قوات الصاعقة بمهمة تفجير مبنى إدارى فى عمق دفاعات العدو، وكانت هذه من المهام التى لا يقوم بها إلا رجال الصاعقة الذين تشرفت بأن أكون فردا منهم.
فقد تخرجت فى الكلية الحربية 25 أغسطس عام 1966 وحصلت على فرقة صاعقة 21 أغسطس، ووزعت فورا على إحدى كتائب الصاعقة.
• صباح الخير: ما هو عمل الصاعقة، وما هى المهام المنوطة برجالها؟
- اللواء عيد: قوات الصاعقة لمن لا يعرف هى المسئولة عن أعمال حاسمة فى دفاعات إسرائيل التى لها تأثير إيجابى على سير أعمال قواتنا المصرية ولها تأثير سلبى معنويا وماديا على سير أعمال قوات العدو.
• صباح الخير: حدثنا عن أول مهمة كلفت بها بعد التخرج؟!!
-اللواء عيد: بعد النكسة عادت الكتيبة التى كنت بها بدون أى خسائر، فكلفت بمهمة استطلاع منطقة ما، وفى طريقى وجدت عربتين نصف جنزير، وعربتين جيب، فلفت نظرى الأمر لأن هاتين العربتين من المفترض أن تقيما موقعا وتحفرا خندقا، ومعسكرات دفاعية، لكن معنى سيرهما مدة طويلة كهذه أنهما تستطلعان لدفع قوات إضافية، والسيطرة على باقى سيناء، والحصول على منطقة بور فؤاد.
فعدت على الفور وأبلغت قائد الكتيبة الذى أبلغ قطاع بورسعيد بقيادة العميد عمر خالد، فصدرت التعليمات بأن أذهب بفصيلتى إلى منطقة رأس العش، وأعبر القناة، وأضع كمينا لقوات العدو التى رأيتها حتى لا نتركهم يصلون إلى جنوب بور فؤاد، وعلى الفور استعددت وجمعت الآر بى جى وتسلحت أنا وفصيلتى، لكن بعدها بخمس دقائق جاءت مكالمة أخرى توقف المهمة حيث إن فصيلتى لم تكن تمتلك السلاح اللازم نظرا لبعدنا عن مكان إعادة التسليح، وقامت وحدة صاعقة أخرى كانت قد أعيد تسليحها ونجحت بقيادة اللواء عبدالوهاب الزهيرى رحمه الله، وتم إيقاف العدو ولم يكررها مرة أخرى لأنه عرف أن الجيش المصرى رغم الهزيمة لكنه لا يزال قادرا على المواجهة.
• صباح الخير: وما هى المهمة التى كنتم مكلفين بها فى يوم 20 يوليو 1969؟
- اللواء عيد: المهمة كانت منطقة إدارية فى شرق قناة السويس فى أرض سيناء، وهذه المنطقة الإدارية كانت تغذى وتمول الجيش الإسرائيلى بالإمدادات والعتاد والتموين والسلاح وغيره فى القطاع الشمالى للقوات الإسرائيلية الموجودة فى جبهة سيناء، وهذه المنطقة كانت لها مخازن عديدة تتجاوز تكاليفها أكثر من 100 مليون دولار لما تحويه من أسلحة وذخائر، وقطع غيار سيارات، وقطع غيار طائرات هليكوبتر ودبابات، فقد كانت منطقة إدارية متكاملة أنشأها العدو حتى تغذى وتمد الوحدات بالقطاع الشمالى للقوات الإسرائيلية.
صدرت الأوامر بتكليف قوات من الصاعقة.. كلفت أنا بها، وكانت المهمة تدمير تلك المنطقة.
والحقيقة أن الهدف من تلك المهمة لم يكن ماديا فقط، بل كان معنويا لأننا كنا فى حرب الاستنزاف، وحرب الاستنزاف بدأت بمرحلة الصمود ثم الردع.
بدأت مرحلة الصمود منذ يوم 11 يونيه عام 1967 حتى3 ديسمبر عام 1968 وكانت عبارة عن تحصين أنفسنا ضد ضربات العدو الجوية، وضرباته بالمدفعيات والمعدات الثقيلة.
وبعد ذلك جاءت مرحلة الردع وتم فيها إعادة التسليح والتأهيل، وفى هذه الفترة تم تدريب جميع هيئات القوات المسلحة، وفيها تعلمنا مقولة: «اعرف عدوك حق المعرفة»، لدرجة أن اختبارات ترقى الضباط كانت فى هذا الجانب.
• صباح الخير: متى صدرت لكم تلك الأوامر؟ ومن حدد أفراد المهمة؟
- اللواء عيد: صدرت لنا الأوامر يوم 12 يونيو 69 بعد أن تم تدريبنا على أكمل وجه، وقتها اختارنى قائد الكتيبة، وطلب منى اختيار مجموعة من المقاتلين وبالفعل قامت سريتى بتحمل المهمة.
والحقيقة أنه منذ 67 وحتى يوم المهمة كانت سريتى تتدرب تدريبا شاقا يفوق قدرات البشر، فضلا عن المجهود البدنى الشاق الذى يضاعف من قوة تحمل الأشخاص لدرجة أنهم كانوا يجرون لمسافة 43 كم، وكان أفراد سريتى وحوشا لديهم روح قتالية نابعة من ثقتهم فى أنفسهم وفى قدراتهم وفى قائدهم.
المهم.. تدربنا جميعا على المهمة حتى جاء يوم 20 يوليو 1969 وبعد إجراء العديد من التجارب والبروفات على العملية.. تأكد القائد من نجاحها بإذن الله.
لم يكن أمامنا إلا هدف واحد.. نجاح المهمة حتى لو لم نعد أحياء، وبالفعل قسمت السرية إلى مجموعات: منهم مجموعتان لعمل الدوائر الأساسية المجهزة للنسف والتدمير الموكلين بنسف مخزن الذخيرة، ومخزن الوقود.
وكان هذا كافياً، فحتى لو لم نصل لباقى المخازن فمخازن الوقود والذخيرة كفيلة بتفجير باقى الأهداف، ولن يستطيع أحد إنقاذها.
• صباح الخير: الوقت.. من أهم العوامل لإنجاح أية عملية عسكرية، هل مثل الوقت عائقا أمامكم؟
اللواء عيد: بالفعل عامل الوقت مهم جدا لإنجاح العمليات العسكرية، فالثانية تفرق، والحقيقة أنه كان من المفترض أن نصل إلى موقع العملية ليلا، ولذا بدأنا العبور إلى الهدف فى قاربين مطاطين مع آخر ضوء، ثم تسللنا داخل سيناء فى سكون تام، فكانت كل تعاملاتنا بالإشارات، وكلما كنا نتقدم مسافة كيلو كنا ننتظر قليلا، وأدفع بقوات استطلاع للتأكد من سلامة الطريق.
واستمررنا على هذه الحال حتى وصلنا لأقرب ساتر ترابى من موقع العملية، وكان اليهود بارعين جدا فى الإحداثيات الهندسية نظرا لإمكانياتهم المتطورة، وكانوا يستخدمون التمويه فى بناء مستودعاتهم، لذا فقاموا ببناء المبنى الإدارى «هدف المهمة» فى الأرض الصحراوية تحت الأرض، وكانوا يضعون عليه كتلا من الحشائش كنوع من التمويه، لكننا كنا دارسين المنطقة جيدا بفضل المخابرات الحربية، وقوات الاستطلاع المصرية التى أعطتنا إحداثيات لهذه المنطقة، والحمد لله لم ننحرف حتى 100 متر عن موقع العملية.
يستطرد اللواء عيد زكى كلامه قائلا: بعد أن وصلنا لأقرب ساتر.. أكدت المهام على قواد المجموعات، فكانت أهم تلك المجموعات: المجموعة المنوطة بالقضاء على الحراسة الليلية، وكانت تتكون من الجندى صابر عوض، والجندى عبدالفتاح عمران اللذين كانا ماهرين جدا فى استخدام السلاح الأبيض.
فلم يكن فى الصاعقة المصرية آنذاك استخدام السلاح الأبيض، لكنى كنت أحضر للجنود الأرضية الخشب ليتمرنوا عليها برمى الخناجر، وإصابة الهدف من أول رمية، فأصبح الجميع بارعين فى هذا الشأن.
وبالفعل أتم الجنديان مهمتهما بدون أى صوت أو حركة، ثم جاءت المجموعة الأولى وكنت معهم فتوجهنا لمكان مبيت الجنود النائمين للقضاء عليهم حتى يصبح الموقع جاهزا للتفجير، فدخلنا عليهم بقنبلة يدوية وقضينا عليهم فى 30 ثانية، فى هذا الوقت توجهت مجموعتا النسف لتفجير مخزن الوقود الذى كان يحتوى على أكثر من 600 ألف لتر بنزين وسولار، ومخازن الكاوتش، ومخازن الذخيرة.
كانت المدة المحددة لتنفيذ العملية ربع ساعة، لكننا لم نستغرق إلا سبع دقائق فقط، كان معنا فرد من الإشارة مد السلك لمسافة كيلو حتى نستطيع التفجير عن بعد، وكنت أحمل يد المولد الكهربائى، فحددنا وقت التفجير بعد 30 دقيقة لنكون قد ابتعدنا بمسافة الكيلو.
أثناء خروجنا فوجئنا بعربتى جيب فارغتين، فأخذناهما وتحركنا بهما، لكن قبل تحركنا عدنا مرة أخرى لإعادة ضبط التايمر عشرة دقائق فقط، وبالفعل تم التفجير ونجحت المهمة.
كان النهار قد بدأ فى إرسال أشعته الذهبية، وأصبح من الخطر أن نظل فى العربات حتى لا يضربنا الطيران، فقمت بحركة تمويهية وطلبت من جنديين أن يأخدا العربتين إلى الشمال، ويعودا على الفور حتى يظن الطيران أننا تحركنا فى هذه الناحية.
وتحركنا كمجموعات إلى الاتجاه المعاكس، وكان باقيا حوالى 2-3 كيلو على الوصول إلى قناة السويس، فطلبت من الجنود الانتشار السريع حتى لا يستطيع الطيران إصابة أحد.
فى هذه اللحظة كان المقاتل عبدالجواد سويلم «الشهيد الحى» بجانبى يحمل جهاز اللاسلكي الذى كان لا يقل وزنه فقط عن 10 كيلو بالإضافة إلى العدة والسلاح الخاصين به.
طلبنا باللاسلكى من المدفعيات أن تضرب خلفنا للتغطية، وفجأة قامت طائرة بضرب صاروخ، بعدها بدقائق جمعت أفراد المجموعات، وسألتهم: هل هناك أحد ناقص، فرد الجميع فى صوت واحد «عبد الجواد».
• مشروع شهيد
وانتقل الحوار لنستمع بآذان صاغية متلهفة لتفاصيل المشهد من صاحبه البطل عبدالجواد سويلم.
صباح الخير: قبل أن ندخل فى تفاصيل يوم البطولة.. أنت منين وإيه ظروف تجنيدك فى الجيش فى هذا التوقيت؟
سويلم: أنا من مواليد 26 أبريل عام 1947 فى عزبة أبو عمر التابعة لمركز ومدينة أبو صوير تبعد عن محافظة الإسماعيلية بعشرين كيلو، ووالدى محمد مسعد سويلم ينتمى أصلا لمركز فاقوس شرقية والدى كان يعمل فى قوات السواحل وقتها.
حلم دخولى الجيش بدأ معايا من وأنا عمرى خمس سنين.. كنت متأثرا جدا بالضرب والبهدلة اللى بتحصل للناس من جيرانا وقرايبنا فى أبو صوير من الإنجليز المحتلين.
وكبرت وصلت 9 سنين فى ابتدائي وكنت شغوفا بمتابعة حرب 56 وكان الفضول يقتلنى عايز أعرف الأخبار باستمرار ولا توجد وسيلة سوى الراديو الموجود فى بيت العمدة فقط.. حيث لم يكن متوفرا فى أى بيت.. فكنت اشترى الجورنال وقتها بقرش صاغ عشان أتابع بطولة شعب بورسعيد.. وكيف لمحافظة شبه جزيرة تقاتل أمام ثلاث دول كبرى وقتها!
ومن المتابعة فى الراديو ومن الجورنال علق معى اسم قائد المقاومة فى بورسعيد وقتها كان اسمه النقيب جلال هريدى وملازم أول الرفاعى وتمنيت لو أقدر أكون معاهم وأساعدهم لكن المشوار كان مسافته 80 كيلو بين الإسماعيلية وبورسعيد وأبويا كان يمنعنى من الذهاب لهذا المشوار.
وكان حلمى أن أكبر وأدخل الجيش وأحمل السلاح ومرت الأيام والسنين.
واتجهت للتجنيد فى الزقازيق وكنت خائفا من القومسيون الطبى «يشركنى» ويقول غير لائق لكن بعد ما فرزت طلعت لائق طبياً فسجدت لله شكرا. وتم تجنيدى فى الحرس الجمهورى يعنى كنت فرز أول فى حرس الشرف للرئيس جمال عبدالناصر وهو طبعا حلم أى شاب مصرى وقتها أنه يرى الرئيس عن قرب، لكن أنا عينى كانت على الصاعقة لأنى كنت جاهزا نفسياً للاستشهاد ونفسى فيها ومن خلال أخى الكبير «على » المتطوع فى الجيش وكان مساعدا فى منطقة التجنيد.. طلبت منه أن يتوسط لى لدى قائده لدخول الصاعقة الذى أصابه الذهول بطلبى هذا، وبالفعل التحقت بفرقة الصاعقة قبل حرب 1967 بأيام.. وكانت عينى على قائد السلاح اللى كنت باسمع اسمه لكن كيف سأصل إليه إلا بلفت النظر لى فكنت الأول دائما فى كل تدريب وفى كل شىء يطلب منى، حتى إن القائد بعد 70 يوما أراد أنه يكافئنى فمنحنى إجازة أنزل أزور أمى وإخواتى فى أبو صوير.. ولم يكن معى مليم فى جيبى فكيف أسافر.
صحيح تعيين الصاعقة يكفينا جدا أكل وشرب.. أكل لا نجده فى بيوتنا لحمة وفراخ وسمك ولبن صبح وليل..
ولأن أمى كانت وحشانى جدا قررت أنى أخذها مشى على رجليا من أنشاص لأبو صوير مسافة 75 كيلو قعدت معاهم يومين ورجعت تانى ع الوحدة فى تمادا بجنوب العريش وهناك التقيت بنور عنيا أحبابى الله يرحمه اللواء سمير يوسف وخدمت معاه وأيضا قابلت اللواء عيد زكى متعه الله بالصحة واستقبلونى كمستجد بانبهار.. خاصة لما عرفوا أنى التحقت بالصاعقة بالواسطة «حطونى فى دماغهم» وقالوا: ده خامة حلوة فى الشغل.
• لم تكن حرباً فى 1967
• صباح الخير: يعنى أنت شاركت فى حرب 1967 أو النكسة؟
- سويلم: سموها نكسة أو نكبة لكنها لم تكن حرباً أنا أقول إن مصر مالت وقتها وشعبها عدلها لما خرج وهتف لجمال إحنا وراك وهنحارب تانى. أنا دخلت قبل النكسة بـ3 شهور بالضبط.
وبدأت حرب الاستنزاف واستمرت 3 سنوات وفيها استطعنا إذلال إسرائيل وتكبيدها خسائر كثيرة.. وتمكنت بفضل تدريب القادة لنا وبالذات سيادة اللواء عيد أن أنجح فى المشاركة فى «18» عملية عبور داخل وخلف خطوط القوات الإسرائيلية منها 9 عمليات تحت قيادة الملازم وقتها عيد زكى.
وتدمير «16» دبابة و«11» مدرعة و«2» بلدوزر و«2» عربة جيب وأتوبيس وشاركت رفاقى الأبطال فى تدمير «6» طائرات إسرائيلية خلال هجومهم على مطار المليز.
• اليوم الموعود
• صباح الخير: حدثنا عن يوم العملية التى حدثت فيه الإصابة؟
- سويلم : كان يوم 20 يوليو 1967.. كما قال سيادة اللواء عيد زكى، كانت الأوامر هى الإغارة وتدمير مواقع إدارية للجيش الإسرائيلى وهى المنطقة التى تتواجد فيها التعيينات والوقود ومخازن احتياجات العدو.
الدورية المكلفة بالعملية كان عددها 19 مجندا وكل واحد مهمته زرع القنابل فى المخازن وتوصيلها كلها بدائرة أساسية للتفجير وتم بالفعل تفجير مخازن العدو.. وأثناء الرجوع هاجمتنا أربع طيارات للعدو.
• صباح الخير: ما هو دورك أنت تحديدا فى هذه العملية؟
- سويلم: كان دورى مثل زملائى زرع عبوة تفجيرية فى مكان الموقع المستهدف لكن بالإضافة لهذا كنت أحمل على ظهرى جهاز اللاسلكى الخاص بالقائد.. كل مجند منا أصلا كان يجرى فى الميدان وعلى ظهره حمولة حوالى خمسين كيلو من أسلحة ومهمات لكن أنا من ثقة القائد فيا حملنى مسئولية الجهاز اللاسلكى زيادة وأكون قريبا منه طول الوقت.
وبالفعل أنجزنا المهمة بنجاح وتم تفجير الموقع بعد ما خلصنا على الحراسة ودخلنا ملجأ الأفراد وتم أسرهم وفوق البيعة أخذنا قائد المنطقة أسيرا فالحرب فرصة وخدعة، وأثناء العودة لمواقعنا طاردتنا أربع طائرات للعدو وعلى الفور أصدر لنا القائد الملازم عيد زكى أوامره بإشارة من يده أن كل واحد يأخذ مكانه وبعدت عنهم حفاظا على جهاز اللاسلكى الذى أحمله لكن طيارا من الأربعة رصدنى وقرر أنه يضربنى لأن جهاز اللاسلكى معى إذن أنا قريب من القائد ولو اصطادنى فمن السهل أن يصطاد القائد.
ثلاث طائرات راحت تطارد زملائى الـ18 وأنا بمفردى ظلت تطاردنى طائرة ميراج.. هو راكب السما ومعاه صواريخ ومدفعية ورشاش وأنا على الأرض ببندقية آلى وكان وقتها بيزودونا بأسلحة خفيفة معها مثل البلطة وقنابل يدوية لأن جندى الصاعقة لابد أن يكون خفيفا وسريعا.
• صباح الخير: يعنى إيه.. كنت واقف على الارض تحارب طيارة؟!
- سويلم : هذا هو ما حدث بالفعل.. أول حاجة كان كل خوفى على الجهاز، فأخفيته ورا شوكة أو شجرة صغيرة فى الجبل حتى لا يضرب، وضربت أنا على الطائرة بالبندقية الآلى أطلقت عليه حوالى 60 طلقة فى معركة مدتها 6 أو7 دقائق وهو مش قادر يصطادنى لا يمين ولا شمال وأنا أرواغه فالطيار الإسرائيلى استفز جدا منى وقال ده لازم يموت.. وزاد معى حماس الشباب وقتها أكثر وقلت طالما أنا كده كده ميت فلازم يكون بكبرياء.. فإذا بى أقوم بحركة أكثر استفزازا للطيار وهى أنى شاورت له بيدى تعالى أو لو راجل انزل لى هنا.. أحبطته ولخبطته فأخذ قرارا بضربى بصاروخ يعنى كلفتهم صاروخا بـ200 ألف دولار وعرفت أن قيمتى عندهم صاروخ وليس رشاشا أو رصاصة.
لأحصل على أكبر خمس نياشين فى حياتي على أرض سيناء الحبيبة والنياشين هى بتر الساقين اليسرى واليمنى والذراع اليمنى وفقد العين اليمنى وجرح كبير بطول الظهر وهو ما أشكر عليه ربنا دائماً.
• صباح الخير: كيف مرت عليك تلك اللحظات بعد ضربك وهل شعرت بما حدث لك؟
- سويلم: الصاروخ انضرب علىّ ووقعت على الأرض ودخان وتراب وصوت انفجار شديد وبعد لحظات بارفع وجهى من على الارض لقيت الدنيا مظلمة فقدت عينى اليمين لكن الشمال كشفت لى قدامى وفجأة ظهر امامى أعضاء أو أشلاء متقطعة فقلت ياترى أشلاء مين من زملائى.. ياترى من فيهم اللى انضرب ووصلت أشلاؤه عندى!!
حاولت أن أرفع جسمى وأقف أعرف مين من زملائى استشهد لكن لم أستطع الوقوف وظهرى لا أشعر به وجسمى غرقان دم نظرت على جسمى لم أجد الساقين ولا ذراعى.. وعددت الأشلاء أمامى ثلاثة عرفت أنهم أعضائى أنا ذراع وساقين وقبلهم عيني اليمين أظلمت تماما ومرت بى دقيقة وأنا مرمى على الأرض ودقيقة فى زمن الصاعقة تعتبر زمن كتير فقلت فى نفسى طالما زملائى لم يأتوا ليحملونى إذن كلهم استشهدوا.. لأنهم لا يمكن يتركونى ويرجعوا فالعرف عندنا إن اللى يتقطع عشرين حتة كل واحد يشيل حتة ويرجع بيها!
ومرت دقيقة أخرى ومن المنطقى أن العدو سيأتى لى كعادة الغارات الجوية لكى يستطلع القتلى وإن كان فيه جنود يمكن آسرهم.
دارت فى ذهنى الصورة ماذا لو جاء العدو لى ووجدنى حياً فمن الممكن يأخدونى ويعالجونى وأصبح أسيرا لديهم ويضعونى فى القفص والتليفزيون يصور ويحبطون قواتنا بأسر أحد أفراد الصاعقة وأنا بالنسبة لهم صيد ثمين للمعلومات.
فأخذت قرارا سريعا.. طالما أنا كده كده ميت والوقت ضدى فالخلاص هو الحل حتى أضيع على العدو تلك الفرصة وهو أسرى والحصول على معلومات منى، فسحبت سلاحى ووضعته على صدرى وضربت فعلا لكن معجزة ربنا أن السلاح لم يضرب.. حاولت مرة تانية وقبل ما أضرب إذا بأيد تسحب منى السلاح وتؤمنه هذا هو القائد «نور عنيا» اللواء عيد زكى أو الملازم وقتها.
• صباح الخير: وكيف كان التصرف وقتها؟
- سويلم: لم يكن الوقت وقت عواطف مثلا يقول إنى الراجل بتاعه متقطع قدامه ويبكى أو ينهار لا مجال لهذا وإنما تصرف سريع والتعامل على الفور شد الرباط الشاش وربط ساقى اليمنى وأحضر رباطه وربط على الثانية ولم يجد لذراعي رباط فشد غياره الدخلى «نتش فانلته بإيده من على صدره» قطعها ليربط بها الجرح ليقف النزيف وقتها بقدرة قادر.. كل هذا يتم وأنا باصرخ فيه يافندم أبعد عنى أنت قائد خسارة.. امشى وسيبنى العدو قد يأتى حالا وحضرتك بالنسبة لهم صيد ثمين.. لكن وحوش الصاعقة لا يهابون الموت أو العدو.
وبعد دقائق حضر زملائى فأمرهم القائد بحملى وسلاحى وباقى أعضائى حملونى على أكتافهم وكانوا يقطعون الطريق جرياً وسط الصحراء والجبل ولأن جسمى كان خف وزنه بعد البتر فكانوا يقذفونى لبعضهم وكل واحد يحملنى شوية، أما أعضائى المبتورة فقد ظلت مع زميلى وحبيبى أحمد ياسين يضعها فى صدره. حتى لما وصلنا المستشفى فى النهاية كان رافض يسلمهم ويقول لهم أصل آخر مرة هاشوفهم. ربنا يعطيه الصحة هو حاليا مدير عام تعليم على المعاش فى رأس غارب.
• المعجزة
• صباح الخير: كل هذا ولم تغب عن الوعى وماذا عن الألم وقتها؟
- سويلم: لم أفقد الوعى لحظة ولم أكن أشعر بألم حتى وصل بى زملائى إلى الناحية الثانية من القناة وحضر طبيب الكتيبة د.محمد وداد آمال وعلق لى محلول ملح على الفور ونضف وربط على الجروح ونظر لقائد الفصيلة النقيب سمير يوسف وقتها وقال له ساعات وهايموت.
فالطبيب قال لسيادة النقيب سمير يوسف لو تؤمر سيادتك نحضر مدرعة من بورسعيد لتحمله للمستشفى فى بورسعيد كان رد القائد لا أستطيع إحضار مدرعة من بورسعيد باتجاه رأس العش والتينة والموقع كان فى التينة وبيننا 25 كيلو وهذا معناه أن العدو هايضرب المدرعة وهايموت من بداخلها لأن الإسرائيليين لما عملوا خط بارليف جعلوه بارتفاع من يقف عليه يكشف حتى خلف بحيرة المنزلة.
ونطق قائدى بالحل الملازم عيد زكى يافندم ينقلونه زملاؤه بالنقالة حتى بورسعيد وهذا هو الحل الوحيد وبالفعل حملونى على أكتافهم مرة أخرى لمدة 12 ساعة من 8 صباحا وحتى 8 مساء سيرا على الأقدام على السكة الحديد وطول الطريق باصرخ فيهم وأوجههم خلى بالك ياعبدالفتاح يا أحمد ياصابر ولا سامعينى وحوش بتجرى بى والضرب شغال علينا من كل ناحية وخط بارليف فوقنا بالرشاشات والمدفعية لكن عناية الله كانت تحفظنا حتى إنه انضرب صاروخ جنبنا مباشرة وعمل حفرة كبيرة فى الأرض لكنها المعجزة تستمر.. ربنا أراد لى الحياة.
وطول السكة محمولا بالنقالة على الأكتاف والمحاليل شغالة وزميلى مسئوليته المحاليل واصرخ فيهم عطشان فيضعون منديلا مبللا على شفايفى فقط إلى أن وصلنا المستشفى بعد المغرب ودخلت العمليات، وتانى يوم الصبح وجدت من يخبط على صدرى ويعطينى سيجارة أشربها، اشرب عشان البنج يخرج وتفوق وكانت أول وآخر سيجارة فى حياتى.
كان هو الطبيب المعالج وبدأت أستعيد الوعى فوجدت نفسى مربوطا فى السرير بحبل وحكوا لى ما حدث.
• صباح الخير: ويسترسل عبدالجواد سويلم فى تفاصيل رحلة الألم والمعجزة أيضا قائلا:
بعد الإفاقة أحضروا لى عربة إسعاف صغيرة يوم 21 يوليو وفيها السائق فقط وكانت بداية رحلة الآلام والصراخ من الوجع، فمنذ الإصابة وحتى وصولى المستشفى لم أكن أشعر بألم إنما داهمنى بعد خروجى من العمليات.. ووصلت إلى المستشفي المدنى فى دمياط وجاء لى المحافظ يزورنى وشاهدوا منظر جسمى أدهشوا وبعدها بساعتين أحضروا لى إسعافا آخر عبارة عن جرار قطار مخصوص، سافر بى مخصوص من دمياط للقاهرة وصلت على الفجر وأنا أشعر بأنى فى سكرات الموت.
مرة أخرى أجد نفسى فى مستشفى الحلمية العسكرى وحولى مجموعة كبيرة من الأطباء وأشعر أنى فى سكرات الموت خلاص وإذا بأحد الواقفين لمحته لابس ميرى يسألنى نفسك فى إيه؟
افتكر إنى هاطلب منه يلقنى الشهادتين لكن قلت له نفسى فى عصير مانجة!!
قال يا نسيم هات له مانجة كأن نسيم هذا كان محضره وراه شربت المانجة من هنا وكأنها مانجة الحياة.
دبت فيا الروح من تانى وصحصحت وبدأت أتكلم مع العسكرى اللى أحضر لى المانجة نسيم بطرس الذى لم ولن أنساه ما حييت ونفسى أشوفه قبل ما أموت.
لأنه تحمل معى ما لا طاقة لبشر به 90 يوما من الألم والصراخ وعدم النوم والخدمة وهو ملازمني حتى إجازاته كان بيرفض ينزلها حتى لا يتركنى لغيره يخدمنى.
• أم البطل
• صباح الخير: كيف عرف الأهل بقصة إصابتك وما هو وقعها عليهم؟
- سويلم: أبلغوا أخواتى وحضروا وزارونى لكن المشكلة كانت فى أمى هايقولها ابنك اتقطع إيده ورجليه وفقد نور عينه إزاى صعب عليها تحمله. فاتفقت مع أخويا على قلت له أمك لازم تعرف قبل ما تزورنى.
عشان لو حصل لها حاجة يبقى فى بيتها مش تيجى تموت هنا!
وبالفعل استمر على يمهد لها ويخبرها الحكاية بالتقسيط على مدار شهرين كل أسبوعين يقولها بتروا له ساق وبعدها بأسبوعين الساق التانية وبعده ذراعه وآخر حاجة عينه..
وجاءتنى أمى العظيمة حميدة أحمد ندا فى المستشفى .. لا بتلطم ولا بتصرخ فقط تهلل داخلة عليا بزفة.. ابنى البطل فين ابنى البطل فين، واترمت فى حضنى تبوس كل حتة فى جسمى.. قلت لها إنت البطل يا أمى مش أنا!
أمى التى عاشت معى بعدها تاركة كل إخوتى حتى بلغت 115 سنة وتوفاها الله وأنا تحت أقدامها.
• زيارة عبدالناصر
• صباح الخير: ومن الذى أطلق عليك لقب الشهيد الحى؟
- سويلم: سابع يوم لى فى مستشفى الحلمية العسكرى وأنا فى عز تعبى وألمى وجسمى كله مربط شاش وقطن لا يظهر منى غير كف إيد وعين واحدة فإذا بنسيم بطرس يوقظنى اصحى عندك زيارة مهمة وفى يده قطنة معطرة يمسح بها جبهتى ويعطر لى جسمى الغارق فى الدماء والصديد، قلت فى نفسى زيارة مهمة إذا أكيد اللواء الشاذلى لكن هايزورنى وأنا نايم على وجهى كده إزاى ده القائد الكبير..
وفجأة وجدت من يقبلنى على رأسي من الخلف .. رفعت عينى فإذا به الزعيم والقائد جمال عبدالناصر وليس اللواء الشاذلى.. وقعد على كرسي بجوارى يحدثنى وقالى فيه حد يضرب على طيارة ببندقية آلى يا عبدالجواد وضحكت وقلت هو حضرتك كنت معانا يافندم.
قالى إنت عايز ايه؟ قلت له عايز ارجع الميدان تاني يافندم أنا لسه عندى إيد وعين فدا مصر.
فإذا به يقف وينظر للفريق محمد فوزرى قائلا: يافوزي ده بيموت وبيقولك عايز ارجع الميدان تانى ده الشهيد الحى.. يا فوزى طالما الروح ديه موجودة هاننتصر.
• صباح الخير: ما هو السر فى روحك المعنوية المرتفعة رغم فداحة الخسارة وصعوبة الإصابة؟
- السر يرجع لحبى لمصر أولا وحبى للشهادة فى سبيلها وأمى رفعتها أكثر وجاءنى عبدالناصر ليرفعها أكثر لتبلغ عنان السماء.
• صباح الخير: وهل فعلا رجعت للميدان مرة أخرى؟
- سويلم: خرجت من المستشفى بعد 3 شهور وتوجهت إلى مركز المحاربين بالعجوزة للأجهزة التعويضية والتف حولى مجموعة من العاملين هناك وإذا بهم يقولون لى إنت محظوظ هايشتغلك أحمد أنور.
قلت لهم مين هو قالوا لى هو أحسن وأشطر صنايعي أطراف صناعية هنا وبالفعل جلست أمامه وبدأ يفحص رجلى اليمنى ثم اليسرى وكأنه بيتأمل وعمال يقول الله الله قلت له الله على إيه رد عليَ رد جزارين قال أحسن قطعية شفتها فى حياتى.. متساويين بالمسطرة أنا هاركب لك رجلين تلعب بهم كورة إن شاء الله!! قلت له أفشر ياعم وبالفعل ركب لى الساقين الصناعيتين وإذا بى أنطلق كالصاروخ ومشيت وطلعت ونزلت وفعلا كنت أراوغ زملائى بالكرة أحيانا أثناء لعبهم وجاءنى جواب الفصل من القوات المسلحة حزنت لأنى مصاب 100% ولكن لم أستسلم ولم أرجع إلى بلدى توجهت على الجبهة وقابلت اللواء سمير يوسف قالى راجع ليه قلت يمكن تكون مصر محتاجة اللى باقى منى ومش خسارة فيها، فقال لى هى فعلا محتاجة لك والحقيقة أنى كنت مازلت طمعان فى الشهادة الكاملة قلت يمكن يحصل هذه المرة.
وكنت أقوم بواجبى المعنوى وسط زملائى والفدائى أيضا حتى عام 1973 كانت مهمتى رفع الروح المعنوية للجنود على الجبهة بالندوات والمحاضرات وكنت أؤكد بداخلهم معانى كثيرة وبقيت فى الجيش خمس سنوات وخرجت فى 1975.
• بطولة شعب
• صباح الخير: احكِ لنا كيف سارت بك الحياة بعد الإصابة وفقدانك لنصف جسدك تقريبا وكيف تزوجت؟
- سويلم: الحقيقة إن لو كان فيه بطولة تحققت أو تضحية فهى ليست منى وإنما هى بطولة زملائى والقادة وأيضا بطولة شعب ساند جيشه لآخر مدى يكفى أنى أقولكم وأنا راقد فى المستشفى بنصف جسد تقريبا عرضت عليا سبع عائلات من مختلف محافظات مصر أن أكون زوجا لإحدى بناتهم جاءنى من الشرقية والمنوفية والإسماعيلية وأبو صوير مدينتى وكانت عروضا جدية وليست شفقة ولا جبر خواطر.. فاحترت فقلت لأبويا اختر لى أنت منهم اللى تناسبنى واضطر يعمل قرعة بينهم طلعت بنت مدينتى أبو صوير هى اللى من نصيبى وتزوجتها وتحملت معى بكل حب وتضحية وهى الحاجة هدى عبدالرحمن حسين ولم يكن لى دخل آخر غير معاش القوات والمسلحة وإصابتى 100 % ومين هايشغلنى بها.. وأنجبنا أربع بنات وأربعة أولاد علمتهم كلهم لأنى اتحرمت من التعليم بسبب الفقر زمان فكنت عايز أشوف نفسى فيهم.
أربعة منهم حصلوا على شهادات جامعية وأربعة تعليم متوسط دبلومات والحمد لله عندى منهم 16 حفيدا.
• تكريم مع إيقاف التنفيذ
• صباح الخير: منذ أربع سنوات مع توالى سقوط شهدائنا من الجيش والشرطة بعمليات إرهابية كان قرار تكريمهم بإطلاق أسمائهم على مدارسنا تخليدا لهم.. وأنت الشهيد الحى هل رأيت تكريمك بعينك؟
- سويلم: بابتسامة تحمل من السخرية والألم قال للأسف لم يحدث حتى بعد صدور قرار محافظ الإسماعيلية السابق اللواء أحمد القصاص وبعد نشره فى الصحف! فمنذ عامين وعقب حضورى ندوة مع شبابنا فى قناة السويس قالى رئيس المدينة وقتها احنا لازم نكرمك بوضع اسمك على مدرسة أبوصوير الثانوية والمحافظ هايعلن القرار وذهبت للمحافظ أشكره، وقلت له هذا ليس تكريما لى فقط بل لكل الأبطال وللقوات المسلحة ومرت ثلاثة شهور ولم ينفذ القرار والسبب أن السيد وكيل الإدارة التعليمية رفض!!
رئيس المدينة تدخل وسأله سبب رفضه قال له أصل المدرسة عليها اسم أبوصوير.. نكرمه بغيرها.. إيه رأيك فى الإعدادية بنات قلت له هو المكرم بيطلب شكل تكريمه «اللى تشوفوه» وعرفت بعدها أن الأخ المسئول ده إخوانى وتغير القرار بوضع اسمى على المدرسة الإعدادية بنات..
مرة أخرى الرجل يرفض التنفيذ!! اصل المدرسة الإعدادى عليها اسم أبوصوير ولا نستطيع حذف اسمه.
رئيس المدينة شعر بالحرج وكان مستفز جدا قال خلاص نضع اسمه على المدرسة الابتدائى فإذا به أيضا يمتنع عن التنفيذ بحجة أن اسمها أبوصوير يعنى الثلاث مدارس بنفس الاسم وكلنا لا نعلم من هو أبوصوير وما هى حكايته ليصبح رمزا يكرم بهذا الشكل!!
وبقى الأمر على ما هو عليه حتى الآن قرار محافظ بلا تنفيذ!!
لكن تظل أمنيتي الاخيرة وهى ان ادفن مع باقي اعضائي فى مقابر الشهداء فى بورسعيد.
• بطولات أخرى
اللواء عيد زكى يتدخل قائلا حرب الاستنزاف شهدت بطولات كثيرة تحتاج إلى مجلدات لنسردها أتذكر معكم الآن الشهيد البطل محمد أحمد ضاحى.. ابن مركز أخميم محافظة سوهاج الأمى الذى لا يجيد القراءة والكتابة لكنه كان يمتلك من الوطنية والإحساس بالمسئولية ما لا يملكه أصحاب الشهادات.
هذا المجند اشترك معى فى عمليات كثيرة وحقق الأهداف التى طلبت منه وأكثر ولما حبيت أكافئه بإجازة زيادة ثلاثة أيام عن زملائه يقضيها مع أهله فى سوهاج فاذا به يرجع لى تانى يوم.. اندهشت ايه اللى رجعك يا ضاحى نسيت حاجة قال أبدا أصل أنا فكرت وأنا قاعد فى الغيط كده إن الكمين بتاعى هايبقى ناقص فرد فى الليل وده ممكن يعرضه للخطر فرجعت أكمله ويشاء ربنا إنه يوصل الكمين الساعة 10 صباحا يوم 23 يوليو 1967، وتحدث غارة اسرائيلية على الكمين ردا على عملية 20 يوليو وإذا بالمجند محمد أحمد ضاحى يلقى الشهادة الساعة 3 إلا خمسة.
• ماذا يجرى فى سيناء
• صباح الخير: بعد كل هذه البطولات التى تحققت فى سيناء عبر الحروب المختلفة وكفاءة قواتنا وعلمها بكل تفاصيل ومخابئ سيناء الجغرافية لماذا يستشهد أبناؤنا من الجيش والشرطة بهذا الشكل هناك؟
- اللواء عيد زكى: ما حدث خلال العام الأسود للإخوان هو السبب فقد تسربت كميات مهولة من الأسلحة عبر الحدود الليبية، بالإضافة لمن هربوا من السجون أبو زعبل ووادى النطرون من أخطر العناصر الإجرامية وكلها خلايا عنقودية للإخوان وحماس نفسها هى الجناح العسكرى للإخوان.
سربوا سلاحا وحفروا أنفاقا بدعم من أمريكا وتركيا وقطر والمشكلة أنهم يختبئون كالجرذان أو الفئران لا يظهرون إلا ليلا بطريقة خسيسة يضع شنطة هنا أو عبوة هناك بمساعدة خلايا هناك لكن هانت وقريبا ستنتهى تلك القصة على يد أبطالنا.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف