القرآن الكريم هو أهم مكونات المنهج الإسلامى، تربيةً وإعداداً وعدلاً وبناء حضارة. قمة حضارية فى كل شئ وفى كل الميادين. نرى القرآن الكريم يبرىء يهوديًا من سرقة درع، رغم جحود اليهود (ككل) إلا من رحم ربك، ورغم جرائمهم العديدة فى حق الأنبياء والشعوب الأخرى. العدل السامى هو من أهم صفات الأديان السماوية كلها بعد التوحيد.
قرأت لأحدهم يقول:
«وأنا شخصيًا كلما أشعر بالأسى والأسف على واقع المسلمين اليوم، ومما يعانون منه من التخلف فى كل المجالات الحياتية مع تفوق غيرهم عليهم، أشعر حقًا أنّ أمتنا انحرفت عن صراطها المستقيم ولم تستفد من مخزونها الحضارى والثقافى. وحين أتابع سجون عالمنا العربى والإسلامى أرى الظلم والجور الذى تمارسه هذه السجون على المستضعفين من المسجونين، وأصبت بكثير من الدهشة حين سمعت من الفضائيات أن ألفًا ومائتى سجين فى ليبيا قتلوا فى السجن، والأغرب من هذا أنه لم يعلم ذلك إلا بعد عشر سنوات، وعن أمثال هذه السجون حدث ولا حرج، كما أنّ بعض السجون العربية تمارس التعذيب بالوكالة لصالح أمريكا».
هل يتصور أى منكم أيها القراء الكرام، أن ينزل سيدنا جبريل عليه السلام بعشر آيات متتالية كلها تدافع عن يهودى اتهم زورًا بالسرقة فى عصر النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟!.
وأوضح القرآن أن التهمة الفظيعة ارتكبها مسلم « منافق»، برأ نفسه من تهمة هو صاحبها وألصقها باليهودى ظلمًا وعدوانًا!
القصة تتلخص فى أنّ إخوةً ثلاثة يقال لهم: بِشر وبَشير ومُبشّر، أبناء أبَيْرِق وهم من بنى ظَفَر من أهل المدينة، وكان بشير (منافقًا) وكانوا جيرة لرفاعة بن زيد، وكانت عِير قد أقبلت من الشام بدَرْمَكٍ وهو دقيق الحُوّارَى أى السميذ، فابتاع منها رفاعة بن زيد حِملا من دَرْمك لطعامه، وكان أهل المدينة يأكلون دقيق الشعير، فإذا جاء الدرمك ابتاع منه سيّد المنزل شيئًا لطعامه فجَعل الدرمك فى مشربة له وفيها سلاح، فعدَى بنو أبيرق عليه فنقبوا مشربته وسرقوا الدقيق والسلاح، فلمّا أصبح رفاعة ووجد مشربته قد سرقت، أخبر ابن أخيه قتادة بن النعمان بذلك، فجعل يتحسّس، فأنبىء بأنّ بنى أبيرق استوقدُوا فى تلك الليلة ناراً، ولعلّه على بعض طعام رفاعة، فلمّا افتضح أمرهم، طرح بنو أبيرق المسروق فى دار أبى مُليل الأنصارى. وقيل: فى دار يهودى اسمه زيد بن السمين. وقيل: لبيد بنُ سهل.
لا يهم كثيرا اسم اليهودى المتهم ظلمًا وأغلب الظن به أنه زيد بن السمين.
وجاء بعض بنى ظَفر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فاشتكوا إليه أنّ رفاعة وابن أخيه اتَّهَما بالسرقة أهلَ بيت إيمان وصلاح، قال قتادة: فأتَيت رسول الله، فقال لى «عمدت إلى أهل بيت إسلام وصلاح فرميتهم بالسرقة على غير بيّنة» وأشاعوا فى الناس أنّ المسروق فى دار اليهودى.
اجتهد رسول الله ليحكم بما ثبت عنده من القرائن والبينات وكاد أن يحكم على اليهودى بالجريمة ويلاحقه بالعقوبة عليه. ولكن الله عز وجل بعث بأمين وحى السماء «جبريل عليه السلام» عند صلاة الفجر بقرآن يتلى إلى يوم القيامة ليبرىء اليهودى المظلوم ويلصق التهمة بالمسلم عن حق وعدل.
ومن هنا أصغى الرسول عليه الصلاة والسلام وخضع لكلام الله الذى يعلم السر وأخفى، للآيات التى كلها كانت دفاعًا عن اليهودى البرىء، والتى تجرم المسلم المتستر بحماية الإسلام، وبدأت الآيات بقوله عز وجل «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» (106) من سورة النساء.
فهل هناك قصص أعظم وأعدل من هذا الموقف أو هذه القصة ؟ أنا شخصيا أنظر فى تاريخ العلاقات الدولية وأقرأ الصراع فى مختلف الأوطان قديمًا وحديثًا. فلا أرى عدلاً يماثل هذا أو يقترب منه. وللحديث صلة. وبالله التوفيق.