الأهرام
بهجت قرنى
القمر فى حياتنا: السنة الهجرية
على الرغم من أن القمر فى أقوالنا يرتبط بتشبيهات وأقوال جميلة، فأنه يرتبط أيضا بعدم اليقين فى تنظيم بعض أعيادنا.

أثار العديد منا إختلافات الأمة الإسلامية، ليست الخلافات السياسية ولكن «القمرية»، خاصة عندما يبدأ جزء من هذه الأمة الواحدة صيام رمضان أو عيد الفطر، بينما يتخلف البعض الآخر وتقريبا من نفس المنطقة الجغرافية، مثل ما يحدث بين دول الخليج من ناحية ودولة المغرب الشقيقة، شهر رمضان العظيم وعيد الفطر المبارك ليسا بالاستثناء فى هذا التباين داخل الأمة الواحدة.

وبسبب بداية السنة الهجرية 1438 أعود لهذا الموضوع لعلنا نجد إجابة عند الأزهر الشريف، أو أحد علماء المسلمين.

الموضوع باختصار هو أننا لا نعرف حتى الساعات الأخيرة اذا كنا سنتوجه صباح اليوم التالى للعمل أم لا، وبالتالى نستمر فى حالة عدم يقين حتى يفصح لنا القمر بالقرار المنتظر، وقد قصصت فى نفس هذا الوقت من العام الماضى مضمون حديث تليفونى قصير مع زميل سويسرى يعتزم تنظيم مكالمة تليفونية جماعية لإعداد مائدة مستديرة، وكان قد اقترح اليوم التالى مباشرة، وترددت لأنى لم أعرف اذا كان اليوم التالى هو إجازة بداية السنة الهجرية أم لا، وبالرغم من أنه تأدبا قبل اقتراحى بتأجيل المكالمة التليفونية الجماعية، إلا أنه بداخله لم يستوعب أن هناك ملايين البشر يعتمدون اعتمادا كاملا على القمر لتخطيط بعض أيامهم وتقرير ذلك قبلها بساعات فقط، فى وقت تخطط المجتمعات وأفرادها موضوع الإجازة وغيرها قبلها بأسابيع إن لم يكن شهورا.

وكما قلت سابقا، فإنى كنت أود حسم موضوع القمر هذا بينى وبين نفسى والوصول إلى نوع من اليقين بدلا من هذه الحيرة التى تتكرر كل عام، ولذلك قمت ببعض الأبحاث عن البداية للسنة الهجرية على مدى السنين، خاصة كيف تم اختيار بدايتها، وكان هناك بعض المفاجآت.

مثل غالبية المسلمين، كنت أعتقد أن بداية السنة الهجرية ترتبط بتاريخ هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولكنى علمت أن هذه الهجرة هى فى الواقع فى ربيع الأول، أى قبل احتفالنا ببداية السنة الهجرية بنحو عشرة أشهر هجرية، بل الأكثر من ذلك هو أن قرار تاريخ السنة الهجرية هذا لم يأت من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بل من ثانى الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب.

علمت أيضا أن المملكة السعودية ـ مهد الإسلام وقبلة المصلين من كل صوب وحدب ـ لا تعطى إجازة رسمية لبداية السنة الهجرية فى غرة شهر محرم أو نهاية ذى الحجة ـ مرة أخرى حسب ما يقوله القمر.

أعترف بأن هذه المعلومات جديدة بالمرة بالنسبة لغير المتخصصين أمثالي، وحتى مفاجئة، وأتمنى فعلا تصحيحها اذا لم تكن فعلا دقيقة من جانب المتخصصين فى الفقه والتاريخ الإسلامي، واذا كانت فعلا دقيقة، يمكن بالتأكيد الإضافة إليها وتوضيح السياق العام لاختيار ـ فعلا اختيار ـ بداية السنة الهجرية بواسطة عمر بن الخطاب.

هل يستحق الموضوع كل هذا الاهتمام؟ وهل هناك فعلا فرق كبير بين أن تكون الإجازة يوم الأحد أو يوم الاثنين؟ بالتأكيد هناك فرق، ليس فقط للخارج الذى لا يستطيع أن يستوعب أن أكثر من 1.5 بليون مسلم ينتظرون حتى الساعات الأخيرة لتحديد أعيادهم الدينية، بل أيضا حتى بالنسبة للداخل، بل ينتهز البعض حالة عدم اليقين هذه لكى تنعكس على أشياء كثيرة لتبرر وتزيد عشوائية التفكير، والاتجاه التواكلى فى الحياة بدلا من تشجيع توجه تخطيطى رشيد من جانب الفرد.

وهذا هو مربط الفرس كما يقال، إضفاء قدسية غير موجودة على كثير من أقوالنا وممارساتنا، وذلك لعدم المساس بها، مثل العديد من الفتاوى التى تستند إلى تفسيرات دينية مشكوك فيها، وتقوم بتشجيع ممارسات وأفكار لا تتناسب بالمرة مع سياق القرن الحادى والعشرين وتحدياته.

فى زمن العولمة المتسارع الوتيرة، فإن من يقف فى مكانه، هو فى الواقع يتأخر، والكثير من المجتمعات سبقتنا فى النظر إلى بعض الأمور المقبولة والتى اعتقدت فى قدسيتها، ثم اكتشفت أن هذه القدسية لا أساس لها، هل هو الحال فعلا بالنسبة لبداية السنة الهجرية؟ واذا كان هذا فعلا الوضع، ألا يمكن تحديد يوم الإجازة والاحتفالية من البداية والالتزام به؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف