الأخبار
عبد المنعم فؤاد
استلهام روح الهجرة والفوضي الإعلامية
اذا كان حدث الهجرة قد وقع منذ أربعة عشر قرنا من الزمان، بقيادة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وتغيرت الدنيا بسببه،بل واحتفت في وقته الأرض بالسماء،وبُددت غيوم الجهالة،ونادي منادي الحق بحسن الخلق، ولطف الحديث، والتعامل بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربي فإننا في هذه الآيام في أمس الحاجة إلي استلهام روح هذا الحدث العظيم، حيث رأينا تفشي ثقافة الجهل مرة أخري بين الشباب، والتعدي علي القيم والمبادئ، وعدم احترام الصغير للكبير بل، وتفشي الظلم بين البشر حتي أن الدول الكبيرة كما يسمونها الآن أخذت تُعيد سياسة الظلم التي كانت سائدة بين البشر قبيل بعثة الرسول -صلي الله عليه وسلم -وهجرته، وقد قضي عليها الإسلام، حيث كان العالم تُمسك بأمره دولتان : الفرس، والروم، ويفعلان بالبشر ما يريدان دون مراعاة لحساب خالق البشر،
فرأينا :
كسري يعمٌ في المشارق ظُلمهُ.....وهرقل منه في المغارب أظلم.
والناسُ بين القيصرين كأنهم.... غنم علي تلك الذئاب تُقسمُ..
هنا تدخلت السماء بلطف رب الأرض، والسماء، وبُعث الرحمةُ المهداة، لا للمسلمين فقط إنما للعالمين: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء - 107- فكان صلي الله عليه وسلم :
رحمة كله وحزم وعزم.... ووقار وعصمة وحياء.
فصبر، وتحمل ما تحمل، وهاجر من بلده، ووطنه في ظلمة الليل البهيم، وهو دامعُ العين مكلُومُ الفؤأد علي فراق بلده، ومسقط رأسه، لكن إذا كان الهدف أغلي، وهو: اسعاد البشرية جمعاء، وهو ما يرضي رب الأرض والسماء، فكل شئ في سبيل ذلك يهون.
وقد حقق المولي له ما يريد، ودخل الناس في دين الله أفواجا،،.، واليوم وبعد مرور هذه القرون : نُفاجأ بأن الدنيا عادت كما كانت، والناس في غمرتهم يعمهون، فلا قيم، ولا أخلاقيات، ولا تراحم، ولا ترابط، ولا شفقة بالفقير، ولا رحمة بالكبير، وزلزلت الأرض زلزالها،، كما نري ونشاهد كل يوم في شوارعنا،ووسائل مواصلاتنا بل، وتعامل بعضنا مع بعض،، بغض النظر عما يدور خارج بلادنا: فقيمنا، وعزتنا، وبناء أخلاق أولادنا هو: الأهم..
لذا واجب أن نسارع، ونستلهم روح الهجرة في بناء الأوطان والأنفس،،
وبناء الأوطان يتمثل في: حسن التخطيط والتدبير، والهجرة من الكسل إلي العمل،وإتقان هذا العمل، والذي نصح به صاحب الهجرة في قوله : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه )، والأخذ بالأسباب في كل ذلك مع التوكل علي الله تعالي
(ومن يتوكل علي الله فهو حسبه)- الطلاق - 65-.
المهم : ألا نتكاسل، ونتقاتل، ونهتم بفروع الأشياء لا أصولها، فالأوطان لا تبني بهذه الطرق أبدا، فلننتبه،
أما بناء الأنفس والعقول فيكون بالإيثار، والتراحم والتناصح،وحب الآخرين ونشر ثقافة حسن الخلق والإرتقاء بها مهما كلفنا ذلك من صبر ومشقة وصعوبات ، فنبي الهجرة صلي الله عليه وسلم حدد وظيفته في مجيئه للناس فقال ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقال عنه سبحانه ( وإنك لعلي خلق عظيم ) القلم - 4-..
ولذا لاتُبني الأمم بسوء الخلق، ولا يبقي لها أثر في التاريخ:
( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ).. أقول ذلك:
وفي النفس مرارة بسبب ما نشاهده في فضائياتنا من فوضي أخلاقية يتبناها البعض في الإعلام،وهم لا يشعرون،، فلم يُكتف بالمشاهد المثيرة للغرائز ليلا، ونهارا في الدراما، والتي دمرت صحة الشباب، وعقولهم تحت شعار: ( مش هتقدر تغمض عينيك )!. لدرجة أن عيادات أطباء العيون لم تجد مكانا فيها لجلوس أطفالنا بسبب ضعف أبصارهم من كثرة مشاهدتهم اللامنقطعة لهذه الدراما اللامفيدة، بل ما زاد الطين بله : ما تقدمه بعض برامج التوك شو: من شو إعلامي هابط المستوي أخلاقيا لدرجة لافتة للنظر.!.
إذ شاهد الجميع المعركة الساخنة الوطيس، والتي كان سلاحها: الأحذية المرتفعة علي الهواء أمام أطفال، ونساء، ورجال مصر بل والعالم كله، وهوت الأحذيةُ علي الرؤوس ومنها رأس يرتدي عمامة الأزهر، والأزهر لا يعرفه،ولا يعرف شهادته ولا أين تعلم، ومع ذلك يُستدعي علي هذه الفضائية كل عشية وضحاها، ويُلمّعه الإعلامي المضيف، ويقدمه بتقديم زائف، إذ يدعي أنه: حاصل علي دكتوراه في الشريعة من الأزهر، وهو مفتي استراليا،مع العلم أن المسؤولين في الأزهر بينوا : أن هذا الرجل لم يحمل دكتوراه من الأزهر، ولا هو يعمل مُفتيا للمسلمين في استراليا،
إذن فهو مفتي مزيف، ومع ذلك يستورده مذيع الفضائية: (الوحيد) ويستفتيه: فيفتيه بالغرائب، ّ.
حيث أفتي أن الخمر ليست حراما لأول مرة في التاريخ الإسلامي بل، والدين الصحيح، ويفتي أيضا أن الحجاب ليس فرضا، وأن الحج يجب أن يكون في سيناء بدلا من مكة لأن الله تعالي تجلي علي أرض سيناء، إلي غير ذلك من الأباطيل التي لا يُصدقها إلا مخترعها، والمضيف له،.
والسؤال : لحساب من هذه الاستضافات، والبرامج المشوهة للثوابت، والقيم؟
،وهل يُقصد بها وجه الله تعالي، والحفاظ علي الأمن الفكري لأولادنا في بلادنا ؟ أم هدفها جذب مشاهدين كُثر لجذب إعلانات لأطعمة استهلاكية أكثر مهما كانت النتائج، والكوارث علي البلاد والعباد ؟
وأين الذين يُؤتمنون علي أمننا الوطني، والفكري، والعقدي؟
أليس هناك من يُسألون عن هذه الفوضي الإعلامية الهادمة لإخلاقنا، وديننا، والتي لا تعرف شيئا عن ميثاق الشرف الإعلامي، والذي يجب أن يتحلي به كل مذيع وصحافي ؟
إن الأعجب من هذا كله بعد أن وقعت واقعة الأحذية الهوائية:
خرج المذيع الفاضل ليلطم الخدود، ويشق الجيوب، ويطالب بمحاكمة من رفع الحذاء أمام المشاهدين، ويعتذر سيادته علي الهواء بسبب ما وقع قائلا: ( كنت لا أظن أن ذلك يكون من ضيوف في برنامج ديني )!.
وأقول : من قال إن هذا برنامج ديني يكون بطله هذا المفتي المستورد الذي لا تُعرف له وظيفة حقيقية، ولا هوية ؟
وأين هو الدين الذي علمه الضيف الكذوب لأولادنا ؟
إن الذي يجب أن يُحاكم: هو من استضاف هذا الاسترالي، ومن معه، ومن قبله، ليلبسوا الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون.. إن الذي يجب أن يُحاكم هو من ألبس هذا الرجل العمامة، ليُدلس علي الناس باسم يافطة الدين، وينشر قضايا إلحادية لهدم الدين الذي يبني النفوس والأوطان !!.
إن مصر عبر التاريخ : احترمت الدين، واستضافت الأنبياء الذين، اصطفاهم رب العالمين علي أرضها : فزارها إبراهيم، وتزوج منها،، وتربي بين أشجارها موسي عليه السلام، ونجاه من الهلاك بفضل ربه نيلُها، وجلس علي ربوتها : المسيح، وأمه الطاهرة، واستنشقا من عبيرها، ووصي بها سيد الأنبياء، وبجنودها، وأهلها، وبشر بأنهم في رباط إلي يوم القيامة، فليس من اللائق أن يُسكت قانونا علي من يشوه دينها، وسمعة أخلاق أبنائها في برامج لا يُعرف من وراءها، وما ذا يريد من مصرنا المحروسة.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف