المصرى اليوم
ابراهيم الجارحى
معاوية الذي أغرق قارب رشيد
جاء في البخاري من حديث عن أبي سعيد الخدري في بناء المسجد أن الصحابي الجليل عمار بن ياسر يزيد على الرجال من جد العمل في حمل لبنات المسجد، فكان كل رجل يحمل لبنة واحدة ويحمل سيدنا عمار لبنتين، ولما رآه النبي- صلى الله عليه وسلم- نفض التراب عنه وقال: وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ.

وكان يوم موقعة صفين التي اقتتل فيها المسلمون على جانبي الفتنة الكبرى، وكان عمار بن ياسر حينها شيخا طاعنا في السابعة والثمانين، لكنه قاتل في صفوف الإمام على بن أبي طالب- كرم الله وجهه- وأظهر في القتال بأسا شديدا، وكان جيش معاوية يخشى حملته عليه خوفا من أن يقتله أحدهم فتثبت على فئته صفة «الفئة الباغية».

لكن الواقعة وقعت، وقتل عمار قتلة بشعة، ومالت بهذه الحادثة كفة الشرعية نحو إمامة على بن أبي طالب، ووجدت الآلة الدعائية لجانب معاوية بن أبي سفيان نفسها في حاجة إلى تخريجة تبرئ هذا الجانب من دم عمار الذي يصمهم بالبغي بنص الحديث الشريف، وتفتق ذهن القاتل عن مقولة لا تكتفي بنفي التهمة عن معاوية فحسب، وإنما تلقيها على على بن أبي طالب أيضا، فقالوا: «بل قتله من أخرجه»، أي أن من أخرجه في جيش للقتال عن حق يراه هو المسؤول عن قتله، وهو ما يعني أن القاتل الذي حز رأس أحد وزراء النبي- صلى الله عليه وسلم- وأحد أبرز صحابته الكرام براء من هذا الدم.

وهكذا أصبحت الدولة المصرية، التي أخرجت شبابنا إلى قوارب الموت لأن ظروفها الاقتصادية لم تسمح لهم بالحياة الكريمة التي يحلمون بها، هي القاتل الذي تشير إليه أصابع الإدانة التي لم تلتفت إلى أن مافيا تهريب البشر، وأن الهاربين بطرق غير شرعية أيضا، يرتكبون جريمة عالمية تنص المعاهدات الدولية على الولاية القانونية لأي دولة تعترضها حتى لو لم تكن دولة الجناة أو دولة تسجيل وسيلة النقل أو دولة الهروب أو دولة الوجهة، كما أنها شكل من أشكال الجريمة المنظمة التي تطوقها معاهدات واتفاقيات دولية عديدة تستهدف ردعها.

مؤسف حقا أن يحاكم لص لأنه سرق رغيفا يسد به جوعه، أو أن يضطر أي شخص إلى ارتكاب أي جريمة بدافع الحاجة والعوز، وهي بالتأكيد مدعاة أكبر للتعاطف إذا خسر هذا الشخص حياته في هذه المحاولة، لكن دبلوماسية التعاطف لن تنفي التجريم ذاته، كما ألغى سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة في عام الرمادة، لكنه لم يقل بأن السرقة لم تعد جريمة.

المدهش هو أن القرى التي اشتهرت بتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وكذلك القرى التي اشتهرت بتزويج السياح العرب بالعذراوات تحت السن القانونية، والقرى التي اشتهرت بأنها مراكز لتخزين وتجارة المخدرات، ليست من ضمن القرى الأكثر فقرا في مصر، بمعنى أنه لا بد من البحث عن سبب إضافي غير الظروف الاقتصادية الصعبة لتحول هذه البقع الجغرافية بعينها إلى بؤر لتجارة غير مشروعة بعينها.

(تفضل بالبحث على جوجل عن قرية ميت الكرما التابعة لمركز طلخا بالدقهلية والمعروفة باسم القرية الإيطالية بعد نجاح أبنائها في الهجرة غير الشرعية وتحقيقهم لثروات حولت القرية إلى قطعة من إيطاليا معماريا واجتماعيا واقتصاديا).

مازالت تجارة وتهريب البشر جريمة تستلزم طرفا محترفا هو المهرب الذي يملك المعرفة والأدوات اللازمة للتهريب إلى جانب نواياه الإجرامية بالطبع، لكن الحال تحول في مصر إلى وجود هاربين محترفين يكملون دائرة مافيا الهجرة غير الشرعية حتى لو كانوا ضحاياها.

هل لاحظت أنه لا توجد قرية إيطالية في الصعيد الذي يفترض أنه الأكثر فقرا؟ هل لاحظت أن أكثر المهاجرين أصغر من الثامنة عشرة لأن الهارب والمهرب يعرفون قوانين حماية الأطفال الأوروبية ضمن ما يعرفون من فنون تجارتهم؟ ثم هل لاحظت أن أصابع الاتهام في هذه الكارثة يجب أن توجه إلى جناة آخرين مع الظروف الاقتصادية الصعبة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف