الوفد
د. مصطفى عبد الرازق
بث روح الجيش فى الشعب
كتبت من قبل، وأعيد هنا القول إن الجيش خط أحمر ويبنغى أن يظل خط أحمر، فليس هناك شعب من الشعوب خاض فى شئون الجيش، هكذا على الملأ ودون ضابط أو رابط كما خاض المصريون بعد ثورة يناير. لقد كان الجيش – وليس فى هذا الحديث نوع من المنة - رمانة الميزان فيما جرى على مدى السنوات الماضية وإنحاز دونما أدنى تردد للإرادة الوطنية، ولولاه لتحولنا – شئت أم أبيت – إلى سوريا أخرى أو عراق آخر.
على هذه الخلفية يمكنك أن تتعامل بهدوء وروية ودون تشنج مع ما أورده من تصور فى السطور التالية. فى تفسير ما جرى أذكر، إن لم تخنى الذاكرة، أننى كنت قرأت حوارا للمرحوم فؤاد سراج الدين أشار فيه إلى لقاء له مع حسن البنا حاول فيه، أن يثنيه عن ممارسة السياسة وأن تظل الجماعة دعوية، وكان منطق سراج الدين فى ذلك أن الدين يظل مقدسا ومتعاليا وأن الجماعة التى تمثله يجب أن تظل بمنأى عن دنس السياسة، وإلا فإن ما سيطالها سيطال الدين أيضًا الذى تحمل واجهته! إن هذه الرؤية من طبائع الأشياء، فطالما نزلت من عليائك وخضت مع الخائضين، فيجب أن تتوقع منهم السيئ والأسوأ.
أعود إلى الحديث عن الجيش، فأقول فى معرض التشبيه ولله المثل الأعلى، لقد تعامل الجيش مع الشعب فيما بعد يناير بمنطق الأبوة، وكان يتلقى الإساءات بالرفق واللين كما الوالد الرحيم. ولعل الأوضاع التى كانت تهدد بتفكك الدولة هى التى حكمت مواقفه، إيمانا وتطبيقا للمهمة المحددة الموكولة إليه وهى حماية الدولة من أية أخطار تتهددها خارجية كانت أم داخلية.
استمرارا لهذا المنطق – الأبوة - يمكن استيعاب ما يشير إليه البعض بشأن توسع دور الجيش فى الحياة المدنية.. وينسى هؤلاء أو يتناسون، أن تكاسلنا وتراخينا كان وراء ما حصل ويحصل. وقد انتهى بنا الأمر إلى حالة من الاستقطاب بين مدافع عن دور ضرورى مدنى للجيش، وبين منتقد باعتبار أن ذلك ليس من مهام الجيش، وللإنصاف فإن الرؤيتين تحملان قدرا من الوجاهة.
باختصار تحاول هذه السطور تقديم رؤية توفق بين هذا التعارض الظاهر، ذلك أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن الجيش – للأسف – يمتلك كمؤسسة كافة الصفات التى يفتقدها المصريون كشعب.. ففى الجيش تجد الانضباط والالتزام والحزم على أصوله، وهى صفات ينبغى ألا نخجل عندما نقر أننا كمصريين أفرادا وهيئات باستثناء الجيش نفتقدها، وهى صفات أيضًا لازمة لأى عملية تنموية تستهدف الانطلاق إلى الأمام. ومن هنا يمكن أن نتفهم أسباب استدعاء الجيش للمشاركة فى الأعمال المدنية والتى يمكن تفسيرها بشكل أساسى بالرغبة فى حرق المراحل لتحقيق إنجاز سريع وملموس.. وهو الأمر الذى بدا بشكل واضح فى مشروع قناة السويس الجديدة بغض النظر عن موقفك أو موقفى منها.. مؤيدا أم معارضا.
ما أدعو إليه هو السعى لأن تعمل كافة مؤسساتنا المدنية وفقا لمعايير الجيش وأن يتم غرس الروح العسكرية فيها وفينا كشعب، أن تكون روح وزير الإسكان، مثلا، عسكرية، فى الانضباط وتسلم وتسليم المشروعات فى مواعيدها بالضبط بالساعة والدقيقة والثانية وبالجودة العالمية وليست المصرية.. أن تقوم وزارة التموين – ووزيرها الجديد قادم من الجيش – بالعمل بروح الإنجاز العسكرى.. إلخ. أن تكون أنت نفسك كفرد وجزء من منظومة الشعب، حريصا على العمل وفقا لروح الجيش.. وقتها سيرتاح الجيش من المهمة الثقيلة التى نذر نفسها لها لإنقاذ هذا الوطن وينأى بنفسه عن دنس السياسة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف