البديل
أحمد بان
برلمان فى إجازة
عندما أبدينا رأينا السلبى فى البرلمان عند انتخابه، وأكدنا على عدم صدق تمثيله لإرادة الشعب المصرى ،بالنظر الى نسبة من شاركوا فى انتخابه من جهة ،وطريقة المنافسة على مقاعده وحرمان قوى وطنية من المشاركة فى الانتخابات بطريقة أو بأخرى من جهة حاججت أبواق كل نظام بأننا نصادر على المطلوب، ولم نمنح الفرصة لهؤلاء النواب ليبرهنوا على صدق تمثيلهم للشعب ومصالحه، ولننتطر الحكم عليهم من خلال أدائهم تحت قبة البرلمان، ولأنه لم يكن لدينا أوهام نصدقها لحساب واقع نكذبه، سكتنا عن هذا السيرك المسمى بالبرلمان طوال الفصل التشريعى الأول، بالرغم من أن العديد من المشاهد كانت تضغط على أعصابنا وعقولنا بشكل لم يسبق له مثيل.

انتهى الفصل التشريعى الأول الذى كان مرآة صادقة وكاشفة لما حذرنا منه، حيث بدت الانحيازات واضحة. حرص البرلمان أن يكون تابعا أمينا للحكومة، يبصم على قرارتها وإرادتها دون قيد أو شرط، بل أصبح مسؤولا أمامها وحدها ولم يعد مسؤولا أمام الناخبين، وبدا أنه فى أجندته التشريعية والرقابية والخدمية منحازا للإرادة السنية للحكومة المصرية، وبالرغم من أن الصلاحيات الدستورية منحته مكانا وصلاحيات متقدمة، مقارنة بما كانت عليه البرلمانات السابقة إلا أن البرلمان آثر ألا يزعج الحكومة بتلك الصلاحيات، مفضلا أن يمضى كما تريد وترى.

لم يصدر أي تشريع بعيدا عن إرادة الحكومة، فقد تقدمت بكل مشروعات القوانين وزارة العدل ممثلة للحكومة، أما التشريع الوحيد الذى كان الحكومة قد رفضته ذرا للرماد فى العيون ، فقد كان مشروع قانون الخدمة المدنية الذى أعيد تقديمه فى نفس الفصل التشريعى ،بالمخالفة لنص المادة 122 من الدستور، كما حرص البرلمان على إقرار 341 قانون صدرت فى غياب البرلمان بشكل ميكانيكى دون بحث أو دراسة، أبهرنا البرلمان أيضا بأن أعفى نفسه أي نوابه وموظفيه من ضريبة كسب العمل، جائزة له ربما على نشاطه فى تلبية طلبات الحكومة، كما أقر المجلس اتفاقية قرض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية، بضمان وزراة المالية.

لا بأس الأهم فى الحقيقة الدور الرقابى الذى نهض به البرلمان حق الأداء فقد كافح الفساد بهمة عالية، عبرت عن نفسها فى ابتهاج رئيس البرلمان باستقالة وزير التموين وقد علقت بسمعته شبهة فساد شخصية ووظيفية، الأولى تعلقت بتأجيره جناح فى فندق والثانية حول دوره فى قضية فساد صوامع القمح الغذاء الرئيسى لملايين المصريين، ابتهج الرجل لأنه لم يعد من واجب البرلمان مساءلة الوزير أو الوزارة، انتهى الأمر بالاستقالة وهو مخرج لطيف يجعل لمصر مكانة مميزة فى رعاية مؤسساتها للفساد، لم يكن غريبا إذن أن يقال المستشار هشام جنينة لأنه بالغ فى الحديث عن الفساد.

أقر البرلمان الموازنة العامة للدولة دون قيد أو شرط، بالرغم من مخالفتها لمواد الدستور بشكل فاضح وفادح فى نسب الإنفاق على التعليم والصحة، اللذان حرص المشرع الدستورى على تحديدهما بشكل واضح، تأكيدا على أن ضربة البداية فى أى إصلاح تتمثل فى تنمية الإنفاق على التعليم والصحة، لكننا نفضل الحفر والردم على أى شىء أخر.

أخر بدع البرلمان قبل أن ينتهى الفصل التشريعى، تصريح رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان، أن حجم الإيرادات التى سيتم تحصيلها نظير التصالح فى مخالفات البناء سوف تتخطى 300 مليار جنيه، لذلك فإن اللجنة ستبدأ فى دراسة مشروع القانون الخاص بالتعامل مع مخالفات البناء فى دور الانعقاد الثانى مباشرة، الجدير بالذكر أنه أكد أن حجم المخالفات بلغت مليون و250 ألف مخالفة ما بين تعلية أو مخالفة صريحة، ما جدوى الحديث عن القانون إذا كانت مخالفته سينهيها رقم مدفوع للخزانة التى تبدو مليئة بالثقوب.

جيد أن يسعى البرلمان بهذه الهمة فى تقنين الخروج على القانون، وهو المعنى بتشريع القانون وحماية تطبيقه ومحاكمة من يخرج عليه.

لماذا لا تقنن المخدرات والدعارة تشجيعا للسياحة بالمرة ! ولنتصالح مع من جرفوا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ونقبل بالعودة بعيدا للوراء، ونعيد مبارك للقصر. أنا بصدق لا أعرف لماذا قمنا بثورة يناير؟ إذا كان البرلمان والحكومة سيصنعا صورة لهذا البلد تتفوق فى قبحها على عهد مبارك بكل ما جسده من فساد واستبداد.

كلنا يعلم حجم العبأ على الموازنة العامة للدولة، وما تسرب من أخبار عن عدم قدرة بعض المؤسسات الحكومية على دفع مرتبات موظفيها، وفى هذا السياق لا أعتقد ان الحكومة بحاجة الى برلمان يبصم على قراراتها بميزانية ضخمة معفاة من الضرائب، لذا أتمنى أن يمنح البرلمان نفسه إجازة حتى تنتهى مدته بالكامل ،ليبقى البرلمان فى إجازة ماد ام التشريع والرقابة فى إجازة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف