الأهرام
جمال عبد الناصر
سبُّ العلماء.. ضياعٌ للشريعة
يعيش المواطن المصري هذه الأيام حالة ارتباك ويسائل نفسه: أين الصواب وأين الخطأ؟ ويزداد الانفعال بمجريات الأحداث كلما قابل أحدًا من زملائه أو أصدقائه أو أقربائه أو جيرانه، إذ لا بد أن تدور حوارات ونقاشات حول ما يجري في بلدنا الحبيب مصر.
ما سبب هذه الحيرة؟ إنه الإعلام الذي سلب الناس هدوءهم وسكونهم وجعلهم يعيشون في قلق دائم، فما أكثر الذين يعملون في الإعلام وقد وطّن نفسه ودرّب لسانه على الكذب والافتراء وترويج الأباطيل وتضخيم الأحداث، والبعض مؤجر من قبل فئة بعينها او تيار بعينه، ونسي أو تناسى هؤلاء أن الكلمة أمانة، وأنها قد تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفًا، وقد تدخله الجنة إذا كانت كلمة طيبة، وراح يشوش على مَنْ يعمل وينتج ويضخم أخطاء من يخطئ ويقصر.

والجريمة النكراء التي يرتكبها البعض اليوم هي تشويه الدعوة والدعاة والطعن والسب في المشايخ والعلماء كونهم لم يتبعوا هوى فلان أو علان؛ وكل هذا بدافع العصبية النكراء لجماعة أو فكر بعينه!! فيحلو للبعض أن يكيل الاتهامات ويطلق الأحكام علما بأن ما في القلوب موكول علمه إلى الله تعالى ونحن لنا الظاهر فقط، وكل هذا مرده إلى التربية غير الإسلامية، أو التربية الموظفة لتحقيق مصلحة ما أو نيل كرسي والتي تستبيح ما حرَّمه الله ورسوله من أجل تحقيق أغراضها، فراحوا يطلقون كلمات قذرة وقبيحة يهاجمون بها سواء الساسة أو العلماء كل مسئول عن فعله ومحاسب عما يلفظه فمه مصداقا لقول ربنا جل وعلا:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.

قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: "إن غيبة العلماء تُقلل من شأن العلم الذي في صدورهم، والذي يعلِّمونه الناس، فلا يَقبل الناس ما يأتون به من العلم، وهذا ضرر على الدين" [2/122]، وقال أيضا : "الكلام في أهل العلم جرح في العلماء، وجرح فيما يحملونه من الشريعة؛ لأن الناس لن يثقوا بهم إذا كثر القول فيهم والخوض فيهم، ولهذا يجب عند كثرة الكلام وخوض الناس في أمر من الأمور أن يحرص الإنسان على كفِّ لسانه، وعدم الكلام إلا فيما كانت مصلحته ظاهرة، حتى لو سئل فإنه يقول: نسأل الله الهداية: نسأل الله أن يهدي الجميع"[7/118-119]، وقال -رحمه الله- تعليقًا على "باب: توقير العلماء والكبار وأهل الفضل" موضحا أن العلماء هم: "علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم، فلمن ورثهم نصيب من ذلك، أن يُبجل ويُعظم ويُكرم، وبتوقير العلماء تُوقر الشريعةُ؛ لأنهم حاملوها، وبإهانة العلماء تهان الشريعة؛ لأن العلماء إذا زلوا وسقطوا أمام أعين الناس زلت الشريعة التي يحملونها، ولم يبق لها قيمة عند الناس، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم؛ فتضيع الشريعة، فإذا استهان الناس بالعلماء لقال كل واحد: أنا العالم، أنا النحرير، أنا الفهامة، أنا العلامة، أنا البحر الذي لا ساحل له، ولما بقي عالمٌ، ولصار كل يتكلم بما شاء، ويفتي بما شاء، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء"[3/230-232].

وهكذا تستمرئ نفوس هؤلاء المؤجرين الكذب وتروج للباطل، فالنفس كلما ترك لها صاحبها العنان تمادت في غيها، وراحت تستبيح المحظور وتستسيغه، فلا أدري كيف ينام وتهدأ أعصابه هذا الذي يروج شائعات وهو يعلم أنها كذب؟!! كيف يرضى عن نفسه؟ كيف يعيش في مصالحة مع النفس؟!

وماذا سيفعل يوم أن يُسأل أمام الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ماذا سيفعل يوم أن يختم الله على فمه وتتكلم يداه ورجلاه وجلده وتشهد عليه أمام الله، قال ربنا سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس: 65]، وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].

هؤلاء الإعلاميون المؤجرون الذين رضوا بالكذب مهنة -والعياذ بالله- لِمَ لَمْ يستخدموا ما لديهم من مواهب في تطوير المجتمع وإصلاح أخلاقه وإرشاده إلى ما فيه الخير؟! لماذا يقلقون الناس في بيوتهم ويحرقون قلوب الأمهات على أبنائهن عندما يرون المشاهد التي ينشرها هذا الإعلام الأجير الذي يعمل لصالح الأجندات الخارجية ولا تهمه مصلحة وطنه في شيء، ما يهمه هو أن يجمع الأموال من هنا ومن هناك، وراح يصب النار على البنزين، ويضخم الأحداث ويهولها، كي يشعر المواطن بالهزيمة ويحاول أن يزرع في ذهنه أنه انتقل من سيئ إلى أسوأ!!.

وهؤلاء الشباب الذين أسلموا عقولهم لقادتهم يزرعون فيها ما شاءوا ألا يقفون مع أنفسهم يوما لماذا نسب هؤلاء الدعاة؟ هلا سألوا أنفسهم من سيحاسب عنا أمام الله؟

أين هي النصحية التي أوصانا بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث قال "الدين النصحية..."؟ حقيقة نحن في أمس الحاجة إلى ضبط الكلمات التي نخرجها؛ لأنها تنتشر في الناس وتسبب ما الله به عليم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف